ولما قال كفار مكة : إن القرآن شعر ، وإن محمداً شاعر ، ردّ الله عليهم بقوله : { وَمَا علمناه الشعر } ، والمعنى : نفى كون القرآن شعراً ، ثم نفى أن يكون النبيّ شاعراً ، فقال : { وَمَا يَنبَغِى لَهُ } أي لا يصح له الشعر ، ولا يتأتى منه ، ولا يسهل عليه لو طلبه ، وأراد أن يقوله ، بل كان إذا أراد أن ينشد بيتاً قد قاله شاعر متمثلاً به كسر وزنه ، فإنه لما أنشد بيت طرفة بن العبد المشهور ، وهو قوله :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
قال : ويأتيك من لم تزوّده بالأخبار ، وأنشد مرّة أخرى قول العباس بن مرداس السلمي :
أتجعل نهبي ونهب العبي *** د بين عيينة والأقرع
فقال : بين الأقرع وعيينة ، وأنشد أيضاً :
* كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً *
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، إنما قال الشاعر :
* كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً *
فقال : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله عزّ وجلّ { وَمَا علمناه الشعر وَمَا يَنبَغِى لَهُ } وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم كثير من مثل هذا . قال الخليل : كان الشعر أحبّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ، ولكن لا يتأتى منه . انتهى . ووجه عدم تعليمه الشعر ، وعدم قدرته عليه . التكميل للحجة ، والدحض للشبهة ، كما جعله الله أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وأما ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله :
هل أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
أنا النبيّ لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
ونحو ذلك ، فمن الاتفاق الوارد من غير قصد كما يأتي ذلك في بعض آيات القرآن ، وليس بشعر ، ولا مراد به الشعر ، بل اتفق ذلك اتفاقاً كما يقع في كثير من كلام الناس ، فإنهم قد يتكلمون بما لو اعتبره معتبر لكان على وزن الشعر ، ولا يعدّونه شعراً ، وذلك كقوله تعالى : { لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] وقوله : { وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ } [ سبأ : 13 ] على أنه قد قال الأخفش إن قوله :
ليس بشعر . وقال الخليل في كتاب العين : إن ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعراً . قال ابن العربي : والأظهر من حاله أنه قال : لا كذب برفع الباء من كذب ، وبخفضها من عبد المطلب . قال النحاس : قال بعضهم : إنما الرواية بالإعراب ، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعراً ، لأنه إذا فتح الباء من الأوّل ، أو ضمهما ، أو نوّنها ، وكسر الباء من الثاني خرج عن وزن الشعر . وقيل : إن الضمير في { له } عائد إلى القرآن أي وما ينبغي للقرآن أن يكون شعراً { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } أي ما القرآن إلا ذكر من الأذكار ، وموعظة من المواعظ { وَقُرْآنٌ مُّبِين } أي كتاب من كتب الله السماوية مشتمل على الأحكام الشرعية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.