غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ} (69)

45

عاد إلى أصل الرسالة بقوله :{ وما علمناه الشعر } وإنما لم يقل وما علمناه السحر ولا الكهانة مع أنهم ادّعوا أنه ساحر كاهن لأنه ما تحدّاهم إلا بالقرآن . وإنما نسبوه إلى السحر عند إظهار فعل خارق كشق القمر وحنين الجذع إليه ، ونسبوه إلى الكهانة عند إخباره عن الغيوب وهو نوع خاص من الكلام من غير اعتبار الفصاحة اللفظية والمعنوية . قال جار الله معنى قوله { وما ينبغي له } أنه لا يتأتى له ولا يستهل كما جعلنا أمياً لا يهتدي للخط . وروي عن الخليل أن الشعر كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن كان لا يتأتى له . قال : وما روي أنه صلى الله عليه وسلم .

أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب

وقال :

هل أنت إلا إصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت

كلام اتفاقي من غير قصد وتعمد ، والشعر كلام موزون مقفى مع تعمد . وقيل : أراد نفي الشعر عن القرآن فقال { وما علمناه } بتعليم القرآن { الشعر وما ينبغي } القرآن أن يكون شعراً وأنا أقول : الأحسن أن يقال : ما ينبغي له معناه أنه لا يليق بجلالة منصبه لأن الشعر مادته كلام يفيد تأثيراً دون التصديق وهو التخييل ، وأما الوزن والقافية فهما كالصورة ويفيدانه ترويجاً وتزييناً فجلَّ رتبته من التخييل الذي هو قريب من المغالطة ، ولهذا لم يؤمر بأن يدعو بهما إلى سبيل ربه . وإنما أمر بأن يدعو إلى الدين بسائر أصناف الكلام حيث قيل { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] ونظيره قوله ههنا { إن هو إلا ذكر } أي موعظة { وقرآن مبين } ذو البيان أو الإبانة وأنه يشمل البرهان والجدل . أما البرهان فظاهر ، وأما الجدل فلأن النتيجة إذا كانت في نفسها حقة . فالرجل العالم المحق ليس عليه إلا إفحام الخصم الألدّ وإلزامه بمقدّمات مسملة أو مشهورة ، ومما يؤيد ما ذكرنا ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قول طرفة :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

هكذا : ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار . ولا ريب أنه كان يتأتى له رواية الشعر إن لم يتأت له فرصة ، وما ذاك إلا للتنزه عما يشبه ما يشين رتبته ولا يوافق وغزاه . ويروى أنه صلى الله عليه وسلم حين قال :

*** هل أنت إلا إصبع دميت ***

انقطع الوحي أياماً حتى قالت الكفار إن محمداً قد ودعه ربه وقلاه ، وهذا أحد أسباب نزول تلك الآية . ولمثل ما قلنا لم يروَ عنه كلام منظوم وإن كان حقاً وصدقاً كالذي قاله بعض الشعراء في التوحيد والحقائق . وقد أشار إلى نحو ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إن من الشعر لحكمة " وقد مر في تفسير قوله سبحانه في آخر الشعراء

{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الآية : 227 ] وذلك أن الشاعر يقصد لفظاً فيوافقه معنى حكمي . وبالجملة لا يخلو الشعر عن تكلف مّا ، وقد يدعوه النظم إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ ، فأين الشارع من الشاعر ؟

/خ83