عاد إلى أصل الرسالة بقوله :{ وما علمناه الشعر } وإنما لم يقل وما علمناه السحر ولا الكهانة مع أنهم ادّعوا أنه ساحر كاهن لأنه ما تحدّاهم إلا بالقرآن . وإنما نسبوه إلى السحر عند إظهار فعل خارق كشق القمر وحنين الجذع إليه ، ونسبوه إلى الكهانة عند إخباره عن الغيوب وهو نوع خاص من الكلام من غير اعتبار الفصاحة اللفظية والمعنوية . قال جار الله معنى قوله { وما ينبغي له } أنه لا يتأتى له ولا يستهل كما جعلنا أمياً لا يهتدي للخط . وروي عن الخليل أن الشعر كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ولكن كان لا يتأتى له . قال : وما روي أنه صلى الله عليه وسلم .
أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
هل أنت إلا إصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
كلام اتفاقي من غير قصد وتعمد ، والشعر كلام موزون مقفى مع تعمد . وقيل : أراد نفي الشعر عن القرآن فقال { وما علمناه } بتعليم القرآن { الشعر وما ينبغي } القرآن أن يكون شعراً وأنا أقول : الأحسن أن يقال : ما ينبغي له معناه أنه لا يليق بجلالة منصبه لأن الشعر مادته كلام يفيد تأثيراً دون التصديق وهو التخييل ، وأما الوزن والقافية فهما كالصورة ويفيدانه ترويجاً وتزييناً فجلَّ رتبته من التخييل الذي هو قريب من المغالطة ، ولهذا لم يؤمر بأن يدعو بهما إلى سبيل ربه . وإنما أمر بأن يدعو إلى الدين بسائر أصناف الكلام حيث قيل { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } [ النحل : 125 ] ونظيره قوله ههنا { إن هو إلا ذكر } أي موعظة { وقرآن مبين } ذو البيان أو الإبانة وأنه يشمل البرهان والجدل . أما البرهان فظاهر ، وأما الجدل فلأن النتيجة إذا كانت في نفسها حقة . فالرجل العالم المحق ليس عليه إلا إفحام الخصم الألدّ وإلزامه بمقدّمات مسملة أو مشهورة ، ومما يؤيد ما ذكرنا ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قول طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
هكذا : ويأتيك من لم تزوّد بالأخبار . ولا ريب أنه كان يتأتى له رواية الشعر إن لم يتأت له فرصة ، وما ذاك إلا للتنزه عما يشبه ما يشين رتبته ولا يوافق وغزاه . ويروى أنه صلى الله عليه وسلم حين قال :
انقطع الوحي أياماً حتى قالت الكفار إن محمداً قد ودعه ربه وقلاه ، وهذا أحد أسباب نزول تلك الآية . ولمثل ما قلنا لم يروَ عنه كلام منظوم وإن كان حقاً وصدقاً كالذي قاله بعض الشعراء في التوحيد والحقائق . وقد أشار إلى نحو ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إن من الشعر لحكمة " وقد مر في تفسير قوله سبحانه في آخر الشعراء
{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الآية : 227 ] وذلك أن الشاعر يقصد لفظاً فيوافقه معنى حكمي . وبالجملة لا يخلو الشعر عن تكلف مّا ، وقد يدعوه النظم إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ ، فأين الشارع من الشاعر ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.