{ وما علمناه الشعر } : الضمير في علمناه للرسول صلى الله عليه وسلم ، كانوا يقولون فيه شاعر .
وروي أن القائل عقبة بن أبي معيط ، فنفى الله ذلك عنه ، وقولهم فيه شاعر .
أما من كان في طبعه الشعر ، فقوله مكابرة وإيهام للجاهل بالشعر ؛ وأما من ليس في طبعه ، فقوله جهل محض .
وأين هو من الشعر ؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى تنتخبه الشعراء من كثرة التخييل وتزويق الكلام ، وغير ذلك مما يتورع المتدين عن إنشاده ، فضلاً عن إنشائه : وكان عليه السلام لا يقول الشعر ، وإذا أنشد بيتاً أحرز المعنى دون وزنه ، كما أنشد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك من لم تزود بالأخبار
وقيل : من أشعر الناس ، فقال الذي يقول :
ألم ترياني كلما جئت طارقا *** وجدت بها وإن لم تطيب طيباً
أتجعل نهبي ونهب العبيد *** بين الأقرع وعيينة
كفى بالاسلام والشيب ناهياً . . .
_@_فقال أبو بكر وعمر : نشهد أنك رسول الله ، إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام ، وربما أنشد البيت متزناً في النادر .
يبيت يجافي جنبه عن فراشه *** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ولا يدل إجراء البيت على لسانه متزناً أنه يعلم الشعر ، وقد وقع في كلامه عليه السلام ما يدخله الوزن كقوله :
أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
هل أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
وهو كلام من جنس كلامه الذي كان يتكلم به على طبيعته ، من غير صنعة فيه ولا قصد لوزن ولا تكلف .
كما يوجد في القرآن شيء موزون ولا يعد شعراً ، كقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وقوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }
وفي كثير من النثر الذي تنشئه الفصحاء ، ولا يسمى ذلك شعراً ، ولا يخطر ببال المنشي ولا السامع أنه شعر .
{ وما ينبغي له } : أي ولا يمكن له ولا يصح ولا يناسب ، لأنه عليه السلام في طريق جد محض ، والشر أكثره في طريق هزل ، وتحسين لما ليس حسناً ، وتقبيح لما ليس قبيحاً ومغالاة مفرطة .
جعله تعالى لا يقرض الشعر ، كما جعله أمياً لا يخط ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض .
وقيل : في هذه الآية دلالة على غضاضة الشعر ، وقد قال عليه السلام : « ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي » وذهب قوم إلى أنه لا غضاضة فيه ، وإنما منعه الله نبيه عليه الصلاة والسلام .
وإن كان حلية جليلة ليجيء القرآن من قبله أغرب ، فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل في القرآن : هذا من تلك القوة .
قال ابن عطية : وليس الأمر عندي كذلك ، وقد كان عليه السلام من الفصاحة والبيان في النثر في الرتبة العليا ، ولكن كلام الله يبين بإعجازه ويندر بوصفه ، ويخرجه إحاطة علم الله عن كل كلام ؛ وإنما منع الله نبيه من الشعر ترفيعاً له عن ما في قول الشعراء من التخييل والتزويق للقول .
وأما القرآن فهو ذكر بحقائق وبراهين ، فما هو بقول شاعر ، وهذا كان أسلوب كلامه ، عليه السلام ، وقولاً واحداً . انتهى .
والضمير في له للرسول ، أي وما ينبغي الشعر لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأبعد من ذهب إلى أنه عائد على القرآن ، أي وما ينبغي الشعر للقرآن ، ولم يجر له ذكر ، لكن له أن يقول : يدل الكلام عليه ، ويبينه عود الضمير عليه في قوله : { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } : أي كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ، وينال بتلاوته والعمل به ما فيه فوز الدارين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.