إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ} (69)

{ وَمَا علمناه الشعر } ردٌّ وإبطالٌ لما كانُوا يقولونَه في حقِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من أنَّه شاعرٌ وما يقولُه شعرٌ أي ما علَّمناه الشِّعرُ بتعليمِ القُرآن على أنَّ القُرآنَ ليسَ بشعرٍ فإنَّ الشِّعرَ كلامٌ متكلَّفٌ موضوعٌ ومقالٌ مزخرَفٌ مصنوعٌ منسوجٌ على منوالِ الوزن والقافيةَ مبنيٌّ على خيالاتٍ وأوهامٍ واهيةٍ فأين ذلك من التَّنزيلِ الجليلِ الخطِرِ المنزَّهِ عن مماثلةِ كلامِ البشر المشحون بفُنونِ الحِكَمِ والأحكامِ الباهرةِ الموصِّلةِ إلى سعادةِ الدُّنيا والآخرةِ ، ومن أين اشتَبه عليهم الشؤون واختلطَ بهم الظُّنون قاتلهم الله أنَّى يُؤفكون { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } وما يصحُّ له الشِّعرُ ولا يتأتَّى له لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرضَ الشِّعِر لم يتأتَّ له كما جعلناه أميَّاً لا يهتدي للخطِّ لتكون الحجَّةُ أثبتَ والشُّبهةُ أدحضَ . وأما قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام : [ الرجز ]

" أنا النبيُّ لا كذب ***أنا ابنُ عبد المطَّلب{[684]}

وقولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : [ الرجز ]

" هل أنتِ إلا أصبعٌ دميتِ *** وفي سبيل الله ما لقيتِ "

فمنْ قبيلِ الاتفِّاقاتِ الواردةِ من غير قصدٍ إليها وعزمٍ على ترتيبها . وقيل : الضَّميرُ في له للقُرآنِ أي وما ينبغي للقُرآنِ أنْ يكونَ شِعراً { إِنْ هُوَ } أي ما القُرآن { إِلاَّ ذِكْرٌ } أي عظةٌ من الله عزَّ وجلَّ وإرشادٌ للثَّقلين كما قال تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين } [ سورة التكوير ، الآية27 ] { وَقُرْآنٌ مُّبِين } أي كتابٌ سماويٌّ بيِّنٌ كونه كذلك أو فارقٌ بين الحقِّ والباطلِ يُقرأ في المحاريبِ ويُتلى في المعابدِ ويُنال بتلاوتِه والعملِ بما فيه فوزُ الدَّارينِ فكم بينَهُ وبينَ ما قالُوا .


[684]:أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب (52، 61، 97، 167) وكتاب المغازي باب (54) وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد حديث (78، 80) والترمذي في كتاب الجهاد باب (15) كما أخرجه أحمد في المسند (4/280، 281، 289، 304).