التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا} (57)

والإشارة ب { أولئك الذين يدعون } إلى النبيئين لزيادة تمييزهم .

والمعنى : أولئك الذين إنْ دعوا يُستجَبْ لهم ويكشف عنهم الضر ، وليسوا كالذين تدعونهم فلا يملكون كشف الضر عنكم بأنفسهم ولا بشفاعتهم عند الله كما رأيتم من أنهم لم يغنوا عنكم من الضر كشفاً ولا صرفاً .

وجملة { يبتغون } حال من ضمير { يدعون } أو بيان لجملة { يدعون } .

والوسيلة : المرتبة العالية القريبة من عظيم كالمَلك .

و { أيهم أقرب } يجوز أن يكون بدلاً من ضمير { يبتغون } بدل بعض ، وتكون ( أي ) موصولة . والمعنى : الذي هو أقرب من رضى الله يبتغي زيادة الوسيلة إليه ، أي يزداد عملاً للازدياد من رضى الله عنه واصطفائه .

ويجوز أن يكون بدلاً من جملة { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } ، و ( أي ) استفهامية ، أي يبتغون معرفة جواب : أيهم أقرب عند الله .

وأقرب : اسم تفضيل ، ومتعلقه محذوف دل عليه السياق . والتقدير : أيهم أقرب إلى ربهم .

وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالاً له وخوفاً من غضبه . وهو تعريض بالمشركين الذين رَكبوا رؤوسهم وتوغلوا في الغرور فزعموا أن شركاءهم شفعاؤهم عند الله .

وجملة { إن عذاب ربك كان محذوراً } تذييل . ومعنى { كان محذورا } أن حقيقته تقتضي حذر الموفقين إذ هو جدير بذلك .