الآية57 : وأما الآية الثانية التي ( تليها ؛ فظاهرها ){[10988]} في الملائكة والجن ، وهو قوله : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } أي أولئك الذين يعبدون من دونه يبتغون هم إلى ربهم الوسيلة { أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه } الآية . واختلف فيه .
منهم من صرفها إلى الملائكة ، ومنهم من صرفها إلى الجن ، وهو قول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ، يقول : إن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن ، ثم أسلم الجن ، فبقي أولئك ( الذين ){[10989]}كانوا يعبدونهم بعد إسلامهم . فيقول : أولئك الذين تدعون من دونه يبتغون إلى ربهم الوسيلة ، فكيف تعبدونهم ؟
ومن قال : إنها في الملائكة اختلفوا في قوله : { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } قال الحسن : يرجون محبته ورضاه ، ويخافون عذابه ، أي خوف الهيبة والجلال والعظمة لا خوف عذاب النار ونقمته ، لأن الله عصمهم من أن يرتكبوا ما يوجب لهم النقمة والعذاب حين{[10990]} قال : { لا يعصون الله ما أمرهم }( التحريم : 6 ) وقال : { لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون } ( الأنبياء : 19 ) .
وقال في قوله : { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم }( الأنبياء : 29 )هذا إخبار أنهم لو قالوا ذلك لفعل بهم{[10991]} ما ذكر ، ليس على أن يقول أحد منهم ذلك .
وقال أبو بكر{ ويرجون رحمته } ثوابه { ويخافون عذابه } نقمته حين{[10992]} قال : فَُهِمَ من الوعيد ما قال : { ومن يقل منهم }الآية ؛ فقد أثبت لهم الوعيد فيه . لكن ثوابه ما يتلذذ به ، وعذابه يتألم{[10993]} به ، ويُتَوجَع .
ومنهم من يقول من أهل التأويل : { ويرجون رحمته }أي جنته . لكن هذا يشبه أن يكونوا يرجون صحبة أهل الجنة كقوله : { يدخلون عليهم من كل باب }{ سلام عليكم بما صبرتم }الآية ( الرعد : 23و24 ) .
وجائز عندنا صرف قوله : { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة }إلى الأصنام التي عبدوها من دونه أيضا ، ويكون تأويله { يدعون يبتغون } أي ( لو مكن ){[10994]} لهم من العبادة والطاعة ، وركب فيهم من أسبابه لكانوا كما ذكر ، وهو كقوله : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } أي لو مكن له ، وركب فيه ما ركب من البشر ، ومكن لهم { لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله }( الحشر : 21 )على ما ذكر من سفه أولئك الذين عبدوا من دون الله .
يقول : كيف تعبدون من لو مكن ( لهم ){[10995]} من العبادة والطاعة لكانوا يبتغون بذلك الوسيلة إلى ربهم ؟ أو كيف تعبدون من هو بطاعة ربه يبتغي الوسيلة إليه ؟ إن كانت الآية في الملائكة ؛ كأنه يذكر سفه أهل مكة حين{[10996]} سألوا العذاب بقولهم{[10997]} : { فأمطر علينا حجارة من السماء } ( الأنفال : 32 )ونحوه ، وأهل السماء والأرض جميعا يحذرون عذابه .
وقوله تعالى : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون } ما ذكر ، ليس هو بأمر ، وإن كن ظاهره أمرا ، ولكن إخبار عن عجز ما يدعون من دونه وتعجيز ما ذكر من كشف الضر ودفعه والتحويل . وكذلك قوله : { قل كونوا حجارة أو حديدا }( الإسراء : 50 )ليس هو بأمر ، إنما هو إخبار عن قدرته أنه لا يعجزه شيء ، وإن بدلتم أصلب الأشياء وأعظمها .
وقوله تعالى : { فلا يملكون كشف الضر عنكم } أي دفعة ورده{ ولا تحويلا } يحتمل وجهين :
أحدهما : فلا يملكون تحويل{[10998]} ذلك الضر إلى غيركم ولا صرفه . والثاني{ ولا تحويل } من الأشد والأثقل إلى الأخف والأيسر .
وقوله تعالى : { إن عذاب ربك كان محذورا } أي يحذروه أهل السماء وأهل الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.