النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا} (57)

قوله عز وجل : { أولئك الذين يدعون يبتغُون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقْرَبُ } الآية . فيها ثلاثة أقاويل :أحدها : أنها نزلت في نفر من الجن كان يعبدهم قوم من الإنس ، فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة عند ربهم ، وبقي الإنس على كفرهم ؛ قاله عبد الله بن مسعود . الثاني : أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب ، وهذا مروي عن ابن مسعود أيضاً . الثالث : هم وعيسى وأُمُّهُ ، قاله ابن عباس ومجاهد . وهم المعنيّون بقوله تعالى : { قلِ ادعُوا الذين زعمتم مِن دونه }

قوله تعالى : { أولئك الذين يدعون } يحتمل وجهين :أحدهما : يدعون الله تعالى لأنفسهم . الثاني : يدعون عباد الله إلى طاعته . وقوله تعالى : { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } وهي القربة ، وينبني تأويلها على احتمال الوجهين في الدعاء . فإن قيل إنه الدعاء لأنفسهم كان معناه يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى ما سألوا . وإن قيل دعاء عباد الله إلى طاعته كان معناه أنهم يتوسلون لمن دعوه إلى مغفرته .

{ أيهم أقرَبُ } تأويله على الوجه الأول : أيهم أقرب في الإجابة . وتأويله على الوجه الثاني : أيهم أقرب إلى الطاعة .

{ ويرجون رحمته ويخافون عذابهُ } يحتمل وجهين :أحدهما : أن يكون هذا الرجاء والخوف في الدنيا . الثاني : أن يكونا في الآخرة . فإن قيل إنه في الدنيا احتمل وجهين :أحدهما : أن رجاء الرحمة التوفيق والهداية ، وخوف العذاب شدة البلاء{[1801]} . وإن قيل إن ذلك في الآخرة احتمل وجهين :أحدهما : أن رجاء الرحمة دوام النعم وخوف عذاب النار . الثاني : أن رجاء الرحمة العفو ، وخوف العذاب مناقشة الحساب . ويحتمل هذا الرجاء والخوف وجهين : أحدهما : أن يكون لأنفسهم إذا قيل إن أصل الدعاء كان لهم . الثاني : لطاعة الله تعالى إذا قيل إن الدعاء كان لغيرهم . ولا يمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم وفيمن دعوه . قال سهل بن عبد الله : الرجاء والخوف ميزانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله ، وإن رجح أحدهما بطل الآخر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا " .


[1801]:لم يذكر الوجه الثاني.