فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا} (57)

ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضارّ ، فقال : { أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة } ف{ أولئك } مبتدأ { والذين يدعون } صفته ، وضمير الصلة محذوف أي : يدعونهم ، وخبر المبتدأ : { يبتغون إلى ربهم الوسيلة } ، ويجوز أن يكون { الذين يدعون } خبر المبتدأ أي : الذين يدعون عباده إلى عبادتهم ، ويكون { يبتغون } في محل نصب على الحال . وقرأ ابن مسعود ( تدعون ) بالفوقية على الخطاب . وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ؛ ولا خلاف في { يبتغون } أنه بالتحتية . و{ الوسيلة } : القربة بالطاعة والعبادة أي : يتضرّعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم ، والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } مبتدأ وخبر . قال الزجاج : المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله أي : يتقرّب إليه بالعمل الصالح ، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير في { يبتغون } أي : يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة ، فكيف بمن دونه ؟ وقيل : إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أي : يحرصون أيهم أقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } كما يرجوها غيرهم { ويخافون عَذَابَهُ } كما يخافه غيرهم { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا } تعليل قوله { يخافون عذابه } أي : إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم .

/خ60