وقوله تعالى : { نحن أعلم بما يقولون } وعيد محض للكفرة .
واختلف الناس في معنى قوله : { وما أنت عليهم بجبار } . فقال قتادة : نهى الله عن التجبر وتقدم فيه ، فمعناه : وما أنت عليهم بمتعظم من الجبروت . وقال الطبري وغيره معناه : وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على الإيمان ، ويقال جبرته على كذا ، أي قسرته ف «جبار » بناء مبالغة من جبر وأنشد المفضل : [ الوافر ]
عصينا عزمة الجبار حتى . . . صحبنا الخوف إلفاً معلمينا{[10577]}
قال : أراد ب «الجبار » النعمان بن المنذر لولايته ، ويحتمل أن نصب عزمة على المصدر وأراد عصينا مقدمين عزمة جبار ، فمدح نفسه وقومه بالعتو والاستعلاء أخلاق الجاهلية والحياة الدنيا ، وروى ابن عباس أن المؤمنين قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .
قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا سبباً فإنه لما أعلمه أنه ليس بمسلط على جبرهم ، أمره بالاقتصار على تذكير الخائفين من الناس .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{نحن أعلم بما يقولون} في السر مما يكره النبي صلى الله عليه وسلم، يعني كفار مكة {وما أنت عليهم} يا محمد {بجبار} يعني بمسلط فتقتلهم {فذكر} يعني فعظ أهل مكة {بالقرآن}... {من يخاف وعيد} وعيدي عذابي في الآخرة، فيحذر المعاصي...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: نحن يا محمد أعلم بما يقول هؤلاء المشركون بالله من فِريتهم على الله، وتكذيبهم بآياته، وإنكارهم قُدرة الله على البعث بعد الموت." وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ "يقول: وما أنت عليهم بمسلط... عن مجاهد "وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ" قال: لا تتجبر عليهم...
وقيل: إن معنى قوله: "وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ" لم تُبعث لتجْبُرَهم على الإسلام، إنما بعثت مذكّرا، فذكّر...
وقوله: "فَذَكّرْ بالقُرآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ" يقول تعالى ذكره: فذكر يا محمد بهذا القرآن الذي أنزلته إليه من يخاف الوعيد الذي أوعدته من عصاني وخالف أمري.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبّار} يقول، والله أعلم: {فاصبر على ما يقولون} {نحن أعلم بما يقولون} فنُكافئهم. أو يقول: عن علم بذلك نتركهم على ذلك، ونُمهلُهم؛ يصبّر رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك ليتسلّى به بعض ما يُحزن قلبه...
{وما أنت عليهم بجبّار} قال بعضهم: من الجبر والقهر، أي ما أنت بقاهر عليهم وجبّار، تُجبرهم على التوحيد. وقال بعضهم: من التجبُّر والتكبّر، والجبّار، هو الذي يقتل بلا ذنب ولا حق... {فذكّر بالقرآن من يخاف وعيدِ} أي بلّغ ما أُنزل إليك، فعليك التبليغ، وأنا المجازي لهم والمكافئ بما يفعلون. ثم لم يخصّ بالتذكير من يخاف الوعيد، لكن أمر بتذكير الكل لأن منفعة الذكرى تكون لمن يخاف الوعيد، لا لمن لا يخاف الوعيد. فلذلك خصّه بالذكر، لكن التخصيص بالذكر لا يكون تخصيصا بالحُكم ونفيا عن غيره...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} تهديد لهم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم {بِجَبَّارٍ} كقوله تعالى: {بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية: 22] حتى تقسرهم على الإيمان، إنما أنت داع وباعث...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}: لأن من لا يخاف الوعيد لكونه غير مصدّق بوقوعه لا يذكر، إذ لا تنفع فيه الذكرى،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{نحن} أي لا غيرنا ولا هم أنفسهم {أعلم} أي من كل من يتوهم فيه العلم {بما يقولون} أي في الحال والاستقبال من التكذيب بالبعث وغيره مع إقرارهم بقدرتنا... {وما أنت عليهم} ولما أفاد حرف الاستعلاء القهر والغلبة صرح به مؤكداً في النفي فقال: {بجبار} أي متكبر قهار عات تردهم قهراً عما تكره منهم من الأقوال والأفعال، إنما أنت منذر، ولما نفى عنه الجبروت، أثبت لهم ما أفهمه واو العطف من النذارة كما قدرته قبله، فقال مسبباً عنه معبراً بالتذكير الذي يكون عن نسيان لأن كل ما في القرآن من وعظ إذا تأمله الإنسان وجده شاهداً في نفسه أو فيما يعرفه من الآفاق {فذكر} أي بطريق البشارة والنذارة {بالقرآن} أي الجامع بمجده لكل خير المحيط كل صلاح {من يخاف وعيد} أي يمكن خوفه، وهو كل عاقل...وهذا هو المجد للقرآن ولمن أنزله ولمن أتى به عنه بتمام قدرة من هو صفته وشمول علمه، فقد انعطف هذا الآخر على ذلك- الأول أشد انعطاف، والتفت فروعه بأصله أتم التفاف، فاعترفت به أولو- براعة وأهل الإنصاف والاتصاف- بالتقدم في كل صناعة بالسبق الذي لا يمكن لحاقه أيّ اعتراف...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(نحن أعلم بما يقولون).. وهذا حسبك. فللعلم عواقبه عليهم.. وهو تهديد مخيف ملفوف. (وما أنت عليهم بجبار).. فترغمهم على الإيمان والتصديق. فالأمر في هذا ليس إليك. إنما هو لنا نحن، ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون.. (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).. والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب. على ذلك النحو العجيب. وحين تعرض مثل هذه السورة، فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان. ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون. وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين! وصدق الله العظيم...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.