اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

قوله تعالى : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } يعني كفار مكة في تكذيبك ، وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن يكون تهديداً وتخويفاً لأن قوله : «وَإلَيْنَا الْمَصِيرُ » ظاهر في التهديد ، وبالعلم يكمل . ونظيره قوله تعالى : { ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور }{[52626]} .

ويحتمل أن يكون تقريراً لأمر الحشر بالعلم ؛ لأنه لما بين أن الحشر يسير لكمال قدرته ونفوذ إرادته ، ولكن تمام ذلك بالعلم الشامل حتى يبين جزء زيد وجزء بدن{[52627]} عمرو ، فقال : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } لكمال قدرتنا ، ولا يخفى عَليْنا الأجْزاء لكمال علمنا .

وقوله : «أَعْلَمُ » إما ليست للمشاركة في أصل الفعل{[52628]} كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ{[52629]} عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] أو معناه نَحْن أَعْلَمُ به من كل عالم بما يعلمه{[52630]} .

قوله : { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي بمسلِّط تجبر على الإسلام ، وهذا تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي أنك لست حفيظاً عليهم ، ومكلفاً بأن يؤمنوا ، إنما أنت منذر ، وقد فعلت ما أُمِرْتَ بِهِ .

قال المفسرون : هي منسوخة بآية القتال .

قوله : { فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ } الخلاف في ياء { وَعِيدِ } [ ق : 14 ] إثباتاً وحذفاً . والمعنى دُم على الإنذار ولا تترك الهداية بالكلية ، بل ذكِّر المؤمنين فإن الذكرى تنفَعُ المؤمنين .

وقوله : «بِالْقُرْآنِ » أي اتل عليهم القرآن ليحصل لهم المنفعة بسبب ما فيه أو فَذكِّر بالقُرْآنَ بين به أنك رسول الله لكونه معجزاً ، أو يكون المراد فذكر بمقتضى ما في القرآن من الأوامر الواردة بالتبليغ والتذكير . وفي قوله : فذكر إشارة إلى أنه مُرْسَل مأمور بالتذكير بالقرآن المنزل عليه ، وقوله «وَعِيدِ » إشارة إلى اليوم الآخر وقوله : ( وَعيدِ ) إشارة إلى الوحدانية ، إذ لو قال : وعيد الله لذهب الوَهْمُ إلى كل صَوْب . وضمير المتكلم أعرفُ المعارف ، وأبعد عن الاشتراك . وقد تقدم أن أول السورة وآخرها مشتركان في المعنى حيث قال في الأول : { ق والقرآن المجيد } ، وقال في آخرها : «فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ »{[52631]} .

ختام السورة:

روى أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَنْ قَرَأَ سُورَة ق هَوَّنَ الله عَلَيْهِ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[52626]:من الآية 7 من الزمر وانظر الرازي 28/191 وتصحيح الآية: ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم. فقد خلط بين آيتي يونس 23 وبين تلك الآية.
[52627]:كذا في النسختين وفي الرازي: حتى يميز بين جزء بدنين، جزء بدون زيد وجزء بدون عمرو.
[52628]:أي لا تكون للتفضيل مطلقا.
[52629]:أي هيّن.
[52630]:فتكون للتفضيل. و"ويعلَمُه" و لفظ الرازي وهو الأصح وفي النسختين: يعمله.
[52631]:وانظر تفسير العلامة الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير "28/191 و192.