المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

وقوله تعالى : { نحن أعلم بما يقولون } وعيد محض للكفرة .

واختلف الناس في معنى قوله : { وما أنت عليهم بجبار } . فقال قتادة : نهى الله عن التجبر وتقدم فيه ، فمعناه : وما أنت عليهم بمتعظم من الجبروت . وقال الطبري وغيره معناه : وما أنت عليهم بمسلط تجبرهم على الإيمان ، ويقال جبرته على كذا ، أي قسرته ف «جبار » بناء مبالغة من جبر وأنشد المفضل : [ الوافر ]

عصينا عزمة الجبار حتى . . . صحبنا الخوف إلفاً معلمينا{[10577]}

قال : أراد ب «الجبار » النعمان بن المنذر لولايته ، ويحتمل أن نصب عزمة على المصدر وأراد عصينا مقدمين عزمة جبار ، فمدح نفسه وقومه بالعتو والاستعلاء أخلاق الجاهلية والحياة الدنيا ، وروى ابن عباس أن المؤمنين قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .

قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا سبباً فإنه لما أعلمه أنه ليس بمسلط على جبرهم ، أمره بالاقتصار على تذكير الخائفين من الناس .


[10577]:هذا البيت من شواهد الفراء في (معاني القرآن)، ذكره مع بيت آخر فقال: "لست عليهم بمسلط، جعل الجبار في موضع السلطان من الجبرية، وانشدني المُفضل: ويوم الحزن إذ حشدت معد وكان الناس إلا نحن دينا عصينا عزمة الجبار حتى صحبنا الخوف إلفا معلمينا وقد استشهد صاحب اللسان بالشطر الثاني من البيت الأول على أن(دين) بمعنى (دائن)، قال:"قوم دين أي دائنون" قال: وذكر النصف الثاني من البيت. وروي الشطر الثاني من البيت الثاني في (معاني القرآن):"صبحنا الجوف إلفا معلمينا"، ثم ذكر أن المراد بالجبار هو النعمان بن المنذر لأنه كان واليا عليهم. والإلف: المألوف الذي اعتاده الناس.