تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِجَبَّارٖۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} (45)

36

المفردات :

بجبار : بمسيطر ومسلط ، إنما أنت داع ومنذر .

فذكر : فخوف وحذر .

التفسير :

ختام السورة

45- { نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .

فالعلم الكامل لله تعالى ، فهو عالم بأقوال الكافرين ، حيث ينكرون البعث ، ولا يصدقون بالقرآن ، ويتهمون محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو مفتر ، فالآية تسرِّي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتخبره بأن عليه البلاغ ، وليس عليه الهداية .

قال تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم } . ( الغاشية : 21- 26 ) .

{ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .

اقرأ هذا الكتاب ، وأرشد به الناس ، وخوف هؤلاء المنكرين رجاء أن تلين قناتهم ، وأن ترتدع نفوسهم .

لقد لون الله تعالى في أسلوب هذا الكتاب ، فتراه أحيانا يكون رقيقا هادئا في قصصه وتشريعه ، وبيان رحمة الله ومغفرته ، وأحيانا تراه قويا عاصفا في حديثه عن القيامة وأهوالها ، والبعث والحشر والحساب والجزاء ، لأن من النفوس من يؤنسها الوعد ، ويرضيها الهدوء واليسر ، ومن النفوس الجامحة من تحتاج معه إلى الشدة والوعيد ، لترى القيامة وأهوالها حتى تفيق من سباتها .

وقد اشتمل القرآن الكريم على الوعد بالجنة ونعيمها للمتقين ، ووصف الجنة ، وأنهارها وأشجارها ، وثمارها وحورها وولدانها ، ورضوان الله فيها ، ترغيبا للناس في نعيمها .

كما وصف الله النار ولهيبها ، ويحمومها وغسلينها ، وعذاب أهلها ، وغضب الجبار على الكافرين والمنافقين ، حتى يهدهد كبرياء المبطلين ، ويضع الحقيقة كاملة أمام الإنسان في هذه الدنيا ، فلا يحتج يوم القيامة بأن الرسل لم تبلغه ، وأن الكتب السماوية لم تصف له عذاب الآخرة حتى يأخذ حذره ويفيق من غفلته .

قال تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } . ( طه : 134 ) .

والأصل أن القرآن تذكرة للراغب في الجنة ، وتحذير للكافر بالنار ، لكنه هنا ذكر التذكير بالقرآن لمن يخاف وعيد الله ، في مجابهة المشركين والكافرين .

قال تعالى : { بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } . ( فصلت : 4 ) .

وقال عز شأنه : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } . ( الأحزاب : 45 ، 46 ) .

وقال تعالى : { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } . ( طه : 113 ) .

وكان قتادة يقول :

اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ، ويرجو موعودك ، يا بار يا رحيم .

ونحن نقول معه ذلك إلى الأبد .

اللهم ارزقنا الجنة ، وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقرا ومقاما ، اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك ، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

ختام السورة:

خلاصة ما اشتملت عليه سورة ق

1- إنكار المشركين للنبوة والبعث .

2- الحث على النظر في السماء وزينتها وبهجة بنائها ، وفي الأرض وجبالها وزروعها وأمطارها .

3- الاعتبار بالدول الهالكة كعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع ، وما استحقوا من وعيد وعذاب .

4- الله خالق الإنسان ، وهو العليم به وبأعماله ، وبيان أنه محوط بالكرام الكاتبين يحصون أعماله ، ويرقبون أحواله ، وسيأتيه الموت حتما ، وسيحاسب على كل ما قدم .

5- ما خلق الله السماوات والأرض باطلا .

6- القرآن عظة وعبرة لمن كان له قلب واع يستمع ما يلقى إليه سماع متأمل يقظ .

7- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يقوله المشركون من إنكار البعث ، وتهديدهم على ذلك .

8- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسبيح أناء الليل وأطراف النهار .

9- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد الله ويخشى عقابه .

وكان الفراغ من تفسير سورة ( ق ) عشية يوم الاثنين 28 /5 /1421 ه ، الموافق 28 / 8 / 2000م بمدينة مرسى مطروح ( فندق الأبيض للقوات المسلحة المصرية ) ، جمهورية مصر العربية .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصل اللهم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .

11 في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب 26/154 .

2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزبادي ، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار 1/437 ، طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -القاهرة .

3 كان يقرأ في العيد ب ق واقتربت :

رواه مسلم في صلاة العيدين ( 891 ) ، وأبو داود في الصلاة ( 1154 ) والترمذي في الجمعة ( 534 ) والنسائي في صلاة العيدين ( 1567 ) وابن ماجة في إقامة الصلاة ( 1282 ) من حديث عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر ؟ فقال : كان يقرأ فيهما ب ق والقرآن المجيد ، واقتربت الساعة وانشق القمر .

4 هذا جبل يحبنا ونحبه :

رواه البخاري في الجهاد ( 2889 ) من حديث أنس بن مالك ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وبدا له أحد قال : ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) ، ثم أشار بيده إلى المدينة ، وقال : ( اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ) .

5 إنها النخلة :

رواه البخاري في العلم ( 61 ) ومسلم في صفة القيامة ( 2811 ) من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ) ؟ فوقع الناس في شجر البوادي ، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال ( هي النخلة ) .

6 لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم :

رواه البخاري في الصلاة ( 415 ) ، وفي أحاديث الأنبياء ( 312 ، 313 ) ، وفي المغازي ( 4076 ، 4086 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4333 ) ، ومسلم في الزهد ( 5292 ، 5293 ) ، وأحمد ( 4333 ، 4974 ، 5090 ) ، من حديث عبد الله بن عمر بلفظ : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين . . . ) الحديث .

7 انظر التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث بالأزهر ، وتفسير الألوسي لقوله تعالى : { أهم خير أم قوم تبع } . ( الدخان : 37 ) .

8 يشتمني ويكذبني وما ينبغي له :

رواه البخاري في بدء الخلق ( 3193 ) ، وأحمد في مسنده ( 8870 ) من حديث أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أراه قال الله تعالى : ( يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، ويكذبني وما ينبغي له ، أما شتمه فقوله إن لي ولدا ، وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني ) .

9 إن الله تجاوز لأمتي :

رواه البخاري في الأيمان والنذور ( 6664 ) وابن ماجة في الطلاق ( 2040 ، 2044 ) ، ( 7421 ) من حديث أبي هريرة يرفعه قال : ( إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم ) .

10 لا إله إلا الله إن للموت سكرات :

رواه البخاري في المغازي ( 4449 ) من حديث عائشة أنها كانت تقول : إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمان وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت : ألينه لك ، وأشار برأسه أن نعم ، فلينته فأمره وبين يده ركوة أو علبة -يشك عمر- فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيسمح بهما وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت سكرات ) ، ثم نصب يده فجعل يقول : ( في الرفيق الأعلى ) حتى قبض ومالت يده .

11 يلقى في النار ( وتقول هل من مزيد ) :

رواه البخاري في التفسير ( 4848 ) من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( يلقى في النار{ وتقول هل من مزيد } حتى يضع قدمه فتقول : قط قط ) .

12 تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار :

رواه مسلم في الجنة ( 2847 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت : الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ، قال الله للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقا ) ، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( احتجت الجنة والنار . . . ) فذكر نحو حديث أبي هريرة إلى قوله : ( ولكليكما على ملؤها ) . ولم يذكر ما بعدها من الزيادة .

13 أخرجه البخاري في صحيحه ، والحديث كاملا هو : قال صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إماما عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ؛ فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ) .

14 أمره أن يسبح في أدبار الصلوات :

رواه البخاري في التفسير ( 4852 ) من حديث ابن عباس : أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها ، يعني قوله : { وأدبار السجود } .

15 ذهب أهل الدثور والأجور :

رواه مسلم في الزكاة ( 1006 ) من حديث أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ، إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) .

16 يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل :

رواه البخاري في مواقيت الصلاة ( 555 ) ، وفي التوحيد ( 7429 ، 7486 ) ، ومسلم في المساجد ( 632 ) ، والنسائي في الصلاة ( 485 ) ، وأحمد ( 27336 ، 9936 ) ، ومالك في النداء للصلاة ( 413 ) ، من حديث أبي هريرة بلفظ : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار . . ) الحديث ، ورواه البخاري في الأذان ( 649 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4717 ) ، ومسلم في المساجد ( 649 ) ، والترمذي في التفسير ( 3135 ) ، والنسائي في الصلاة ( 486 ) ، وابن ماجة في الصلاة ( 670 ) ، وأحمد ( 7145 ، 7557 ، 9783 ) من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ : ( فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح ) ، يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } .