المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (32)

وقوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى } هذه المخاطبة لكل من تصور أن ينكح في نازلة ما ، فهم المأمورون بتزويج من لا زوج له وظاهر الآية أن المرأة لا تتزوج إلا بولي ، والأيم يقال للرجل وللمرأة ومنه قول الشاعر :

«لله در بني على أيم منهم وناكح »{[8703]} ، ولعموم هذا اللفظ قالت فرقة إن هذه الآية ناسخة لحكم قوله تعالى : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين }{[8704]} [ النور : 3 ] وقوله : { والصالحين } يريد للنكاح{[8705]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «من عبيدكم » والجمهور على «عبادكم » والمعنى واحد إلا أن قرينة الترفيع بالنكاح يؤيد قراءة الجمهور ، وهذا الأمر بالإنكاح يختلف بحسب شخص شخص ، ففي نازلة يتصور وجوبه ، وفي نازلة الندب وغير ذلك وهذا بحسب ما قيل في النكاح ، ثم وعد الله تعالى بإغناء الفقراء المتزوجين طلب رضى الله عنهم واعتصاماً من معاصيه ، وقال ابن مسعود التمسوا الغنى في النكاح ، وقال عمر رضي الله عنه عجبي ممن لا يطلب الغنى بالنكاح وقد قال تعالى : { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله }{[8706]} ، قال النقاش هذه الآية حجة على من قال إن القاضي يفرق بين الزوجين إذا كان الزوج فقيراً لا يقدر على النفقة لأن الله قال { يغنهم } ولم يقل يفرق بينهما ، وهذا انتزاع ضعيف ، وليست هذه الآية حكماً فيمن عجز عن النفقة وإنما هي وعد بالإغناء كما وعد مع التفرق في قوله تعالى : { وإن يتفرقا يغن الله كلاًّ من سعته }{[8707]} [ النساء : 13 ] ونفحات رحمة الله مأمولة في كل حال موعود بها ، وقوله : { واسع عليم } صفتان نحو المعنى الذي فيه القول أي { واسع } الفضل { عليم } بمستحق التوسعة والإغناء .


[8703]:هذا البيت لأمية بن أبي الصلت، قال ذلك القرطبي واستشهد به، و "الدر" في الأصل: اللبن، والمراد به هنا الخير، يقال: لله درك من رجل، أي لله علمك، يقال هذا لمن يمدح ويتعجب من عمله"، فإذا شتموا أو سبوا قالوا: لا در دره، أي لكثر خيره، والأيم: من لا زوج له رجلا كان أو امرأة، والناكح: المتزوج، فهو يثني على آل علي جميعا المتزوجين منهم وغير المتزوجين. والشاهد استعمال الأيم هنا للرجل وللمرأة.
[8704]:من الآية (3) من سورة (النور).
[8705]:وقيل: (المراد بالصالحين المستقيمين المؤدين لواجباتهم، وخصهم الله بالذكر ليحصن لهم دينهم بالزواج ويحفظ عليهم صلاحهم، لأن الصالحين من العبيد يكونون موضع رعاية وإشفاق ممن ملوكهم، فهم ينزلون منزلة الأولاد في المودة والرعاية، فهم مظنة الاهتمام بشأنهم وتقبل الوصية فيهم، بخلاف المفسدين فحالهم عند واليهم على عكس ذلك.
[8706]:وأخرج ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة كلهم حق على الله عونه، المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء).
[8707]:من الآية (130) من سورة (النساء).