النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (32)

قوله تعالى : { وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ } وهو جمع أيّم ، وفي الأيم قولان :

أحدهما : أنها المتوفى عنها زوجها ، قاله محمد بن الحسن .

الثاني : أنها التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً وهو قول الجمهور . يقال رجل أيّم إذا لم تكن له زوجة وامرأة أيّم إذا لم يكن لها زوج . ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأيمة يعني العزبة قال الشاعر :

فَإِن تَنْكَحِي أَنكِحْ وإن تَتَأَيَّمِي *** وإن كُنْتَ أَفْتَى منكُم أَتَأَيَّمُ

وروى القاسم قال : أمر بقتل الأيم يعني الحية .

وفي هذا الخطاب قولان :

أحدهما : أنه خطاب للأولياء أن ينكحوا أياماهم من أكفائهن إذا دعون إليه لأنه خطاب خرج مخرج الأمر الحتم فلذلك يوجه إلى الولي دون الزوج .

الثاني : أنه خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة .

واختلف في وجوبه{[2061]} فذهب أهل الظاهر إليه تمسكاً بظاهر الأمر ، وذهب جمهور الفقهاء إلى استحبابه للمحتاج من غير إيجاب وكراهته لغير المحتاج .

ثم قال : { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : أن معنى الكلام وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من رجالكم وأنكحوا إماءَكم .

الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإِماء كما أمرنا بإنكاح الأيامى لاستحقاق السيد لولاية عبده وأمته فإن دعت الأمة سيدها أن يتزوجها لم يلزمه لأنها فراش له ، وإن أراد تزويجها كان له خيراً وإن لم يختره ليكتسب رق ولدها ويسقط عنه نفقتها .

وإن أراد السيد تزويج عبد أو طلب العبد ذلك من سيده فهل للداعي إليه أن يجبر الممتنع فيهما عليه أم لا ؟ على قولين :

{ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يَغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } فيه وجهان :

أحدهما : إن يكونوا فقراء إلى النكاح{[2062]} يغنهم الله به عن السفاح .

الثاني : إن يكونوا فقراء إلى المال يغنهم الله إما بقناعة الصالحين ، وإما باجتماع الرزقين ، روى عبد العزيز بن أبي رواد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اطْلُبُوا الغِنَى فِي هذِهِ الآية " { إِن يَكُونَوا فُقَراءَ يُغْنهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ{[2063]} } .

{ وَاللَّهُ وَاسَعٌ عَلِيمٌ } فيه وجهان :

أحدهما : واسع العطاء عليم بالمصلحة .

الثاني : واسع الرزق عليهم بالخلق .


[2061]:في وجوبه: أي النكاح
[2062]:إلى النكاح: سقط من ش.
[2063]:في ك والله واسع الرزق عليم بالخلق