بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (32)

قوله عز وجل : { وَأَنْكِحُواْ الايامى مِنْكُمْ } ، والأيَامَى الرجال والنساء الذين لا أزواج لهم ، يقال : رجل أيم وامرأة أيم ، كما يقال : رجل بكر وامرأة بكر ، ويقال : الأيم من النساء خاصة كل امرأة لا زوج لها ، فهي أيم ؛ فأمر الأولياء بأن يزوجوا النساء ، وأمر الموالي بأن يزوجوا العبيد والإماء إذا احتاجوا إلى ذلك ، فقال للأولياء : { وَأَنْكِحُواْ الايامى مِنْكُمْ } ، يعني : من قومكم ومن عشيرتكم . ثم قال المولى سبحانه : { والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ } ، يعني : من عبيدكم زوجوهم امرأة ، وهذا أمر استحباب وليس بحتم ، { وَإِمائِكُمْ } ؛ يعني : زوجوا إماءكم لكيلا يقعن في الزنى . { إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ } ، يعني : يرزقهم الله من فضله وسعته .

وقال بعضهم : هذا منصرف إلى الحرائر خاصة دون العبيد والإماء ؛ وقال بعضهم : انصرف إلى جميع ما سبق ذكرهم من الأحرار والمماليك { يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ } يعني : من رزقه ، والغنى على وجهين ، غني بالمال وهو أضعف الحالين ، وغنى بالقناعة وهو أقوى الحالين . كما روي في الخبر : الغنى غنى النفس . وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « أنْكِحُوا النِّسَاءَ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ » . وقال عمر رضي الله عنه : ابتغوا الغنى في النكاح . ثم قرأ { يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ } . وروي عن جعفر بن محمد أن رجلاً شكا إليه الفقر ، فأمره أن يتزوج فتزوج الرجل ، ثم جاء فشكا إليه الفقر ، فأمره بأن يطلقها ؛ فسأل عن ذلك ، فقال : قلت لعله من أهل هذه الآية { إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ } . فلما لم يكن من أهلها قلت لعله من أهل آية أخرى { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ الله واسعا حَكِيماً } [ النساء : 130 ] .

ثم قال : { والله واسع عَلِيمٌ } ، أي واسع الفضل ؛ ويقال : واسع أي موسع في الرزق ، يوسع على من يشاء عليم بقدر ما يحتاج إليه كل واحد منهم .