الضمير في قوله { ومنهم } عائد على المنافقين ، و { يؤذون } لفظ يعم جميع ما كانوا يفعلونه ويقولونه في جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ، وخص بعد ذلك من قولهم { هو أذن } ، وروي أن قائل هذه اللفظة نبتل بن الحارث وكان من مردة المنافقين ، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث{[5748]} وكان ثائر الرأس منتفش الشعرة أحمر العينين أسفع الدين مشوهاً ، روي عن الحسن البصري ومجاهد أنهما تأولا أنهم أرادوا بقولهم { هو أذن } أي يسمع منا معاذيرنا وتنصلنا ويقبله ، أي فنحن لا نبالي عن أذاه{[5749]} ولا الوقوع فيه إذ هو سماع لكل ما يقال من اعتذار ونحوه ، فهذا تنقص بقلة الحزامة والانخداع{[5750]} ، وروي عن ابن عباس وجماعة معه أنهم أرادوا بقوله { هو أذن } أي يسمع كل ما ينقل إليه عنا ويصغي إليه ويقبله ، فهذا تشكٍّ منه ووصف بأنه يسوغ عنده الأباطيل والنمائم ، ومعنى { أذن } سماع ، ويسمى الرجل السماع لكل قول أذناً إذا كثر منه استعمال الأذن ، فهذه تسمية الشيء بالشيء إذا كان منه بسبب ، كما يقال للربيئة : عين{[5751]} ، وكما يقال للسمينة من الإبل التي قد بزل نابها ناب{[5752]} وقيل معنى الكلام ذو أذن أي ذو سماع ، وقيل إن قوله { أذن } مشتق من قولهم أذن للشيء إذا استمع كما قال الشاعر وهو علي بن زيد : [ الرمل ]
أيها القلب تعللْ بِدَدنْ*** إن همّي في سماعٍ وأَذَنْ{[5753]}
وفي التنزيل { وأذنت لربها وحقت }{[5754]} ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن »{[5755]} ومن هذا قول الشاعر [ عدي بن زيد ] : [ الرمل ]
في سماع يأذن الشيخ له*** وحديث مثل ماذيّ مشار{[5756]}
ومنه قوله الآخر [ قعنب بن أم صاحب ] : [ البسيط ]
صمٌّ إذا سمعوا خيراً ذكرت به*** وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا{[5757]}
وقرأ نافع «أذْن » بسكون الذال فيهما ، وقرأ الباقون «أذُن » بضم الذال فيهما ، وكلهم قرأ بالإضافة إلى { خير } إلا ما روي عاصم ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وعيسى بخلاف «قل أذنٌ خيرٌ » برفع خير وتنوين «أذن » وهذا يجري مع تأويل الحسن الذي ذكرناه أي من يقبل معاذيركم خير لكم ، ورويت هذه القراءة عن عاصم ، ومعنى «أذن خير » على الإضافة أي سماع خير وحق ، { ويؤمن بالله } معناه يصدق بالله ، { ويؤمن للمؤمنين } قيل معناه ويصدق المؤمنين واللام زائدة كما هي في قوله { ردف لكم }{[5758]} وقال المبرد هي متعلقة بمصدر مقدر من الفعل كأنه قال وإيمانه للمؤمنين أي تصديقه ، ويقال آمنت لك بمعنى صدقتك ومنه قوله تعالى : { وما أنت بمؤمن لنا }{[5759]} .
قال القاضي أبو محمد : وعندي أن هذه التي معها اللام في ضمنها باء فالمعنى ويصدق للمؤمنين بما يخبرونه ، وكذلك { وما أنت بمؤمن لنا } [ يوسف : 17 ] بما نقوله لك والله المستعان ، وقرأ جميع السبعة إلا حمزة «ورحمةٌ » بالرفع عطفاً على { أذن } وقرأ حمزة وحده «ورحمةٍ » بالخفض عطفاً على { خير } ، وهي قراءة أبي بن كعب وعبد الله والأعمش ، وخصص الرحمة { للذين آمنوا } إذ هم الذين نجوا بالرسول وفازوا به ، ثم أوجب تعالى للذين يؤذون رسول الله العذاب الأليم وحتم عليهم به ، .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.