وقول سبحانه : { وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] .
أي : ومن المنافقين ، و{ يُؤْذُونَ } : لفظٌ يعمُّ أنواع إذَايتهم له صلى الله عليه وسلم ، وخص بعد ذلك مِنْ قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } ، وروي أن قائل هذه المقالة نَبْتَلُ بْنُ الحارثِ ، وكان من مَرَدَةِ المنافقين ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّيْطَانِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الحَارِثِ ) ، وكان ثائر الرأس ، منتفشَ الشَّعْر ، أحمر العينَيْن ، أسْفَع الخدَّيْن ، مشوَّهاً ، قال الحسن البصريُّ ومجاهد : قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } : أي : يسمع معاذيرنا ويقبلها ، أي : فنحن لا نُبَالِي من الوقوع فيه ، وهذا تنقُّص بقلَّة الحزم ، وقال ابن عبَّاس وغيره : إِنهم أرادوا بقولهم : { هُوَ أُذُنٌ } : أي : يسمع كلَّ ما ينقَلُ إِليهِ عنا ، ويصغَي إِليه ويقبله ، فهذا تَشَكٍّ منه عليه السلام ، ومعنى { أُذُنُ } : سماع ، وهذا من باب تسمية الشيْء بالشيء ، إِذا كان منْهُ بسبب ؛ كما يقال للرؤية : عيْن ؛ وكما يقال للمسنَّة من الإِبل التي قد بَزَلَ نابها : نَاب .
وقيل : معنى الكلامِ : ذو أُذُنٍ ، أَي : ذو سماع ، وقيل : إِنه مشتقٌّ من قولهم : أَذِنَ إِلَى شَيْءٍ ؛ إِذا استمع ؛ ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه *** وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
وقرأ نافع : «أذن » بسكون الذال فيهما ، وقرأ الباقون بضمِّها فيهما ، وكلُّهم قرأ بالإِضافة إِلى «خير » إِلا ما رُوِيَ عن عاصمٍ ، وقرأ الحسن وغيره : «قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ » بتنوين «أُذن » ، ورفع «خير » ، وهذا جار على تأويله المتقدِّم ، والمعنى : من يقبل معاذيركم خيرٌ لكم ، ورُوِيَتْ هذه القراءة عن عاصمٍ ، ومعنى «أذن خيرٍ » على الإِضافة : أي سَمَاعُ خيرٍ وحقٍّ ، و{ يُؤْمِنُ بالله } معناه : يصدِّق باللَّه ، { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } قيل : معناه : ويصدِّق المؤمنين ، واللام زائدة ، وقيل : يقال : آمَنْتُ لك ، بمعنى : صدَّقتك ؛ ومنه : { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [ يوسف : 17 ] .
قال ( ع ) : وعندي أن هذه التي معها اللامُ في ضِمْنها بَاءٌ ، فالمعنَى : ويصدِّق للمؤمنين بما يخبرونه به ، وكذلك قوله : { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } بِمَا نَقُوله .
( ت ) : ولما كانَتْ أخبار المنافقين تصلُ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تارةً بأِخبار اللَّه له ، وتارةً بإِخبار المؤمنين ، وهم عدولٌ ، ناسب اتصال قوله سبحانه : { يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة :61 ] ؛ بما قبله ، ويكون التصديقُ هنا خاصًّا بهذه القضيَّة ، وإِن كان ظاهر اللفْظِ عامًّا ؛ إِذ من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ مصدِّقاً باللَّه ، وقرأ جميع السبعة إِلاَّ حمزة و«رَحْمَةٌ » بالرفع ؛ عطفاً على «أُذُن » ، وقرأ حمزة وحْده : و«رَحْمَةٍ » بالخفض ؛ عطفاً على «خَيْرٍ » ، وخصَّص الرحمة للذين آمنوا ؛ إِذ هم الذين فازوا ونَجْوا بالرسول عليه السلام .
وقوله سبحانه : { يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ } [ التوبة : 62 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.