الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

وقول سبحانه : { وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] .

أي : ومن المنافقين ، و{ يُؤْذُونَ } : لفظٌ يعمُّ أنواع إذَايتهم له صلى الله عليه وسلم ، وخص بعد ذلك مِنْ قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } ، وروي أن قائل هذه المقالة نَبْتَلُ بْنُ الحارثِ ، وكان من مَرَدَةِ المنافقين ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّيْطَانِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى نَبْتَلِ بْنِ الحَارِثِ ) ، وكان ثائر الرأس ، منتفشَ الشَّعْر ، أحمر العينَيْن ، أسْفَع الخدَّيْن ، مشوَّهاً ، قال الحسن البصريُّ ومجاهد : قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } : أي : يسمع معاذيرنا ويقبلها ، أي : فنحن لا نُبَالِي من الوقوع فيه ، وهذا تنقُّص بقلَّة الحزم ، وقال ابن عبَّاس وغيره : إِنهم أرادوا بقولهم : { هُوَ أُذُنٌ } : أي : يسمع كلَّ ما ينقَلُ إِليهِ عنا ، ويصغَي إِليه ويقبله ، فهذا تَشَكٍّ منه عليه السلام ، ومعنى { أُذُنُ } : سماع ، وهذا من باب تسمية الشيْء بالشيء ، إِذا كان منْهُ بسبب ؛ كما يقال للرؤية : عيْن ؛ وكما يقال للمسنَّة من الإِبل التي قد بَزَلَ نابها : نَاب .

وقيل : معنى الكلامِ : ذو أُذُنٍ ، أَي : ذو سماع ، وقيل : إِنه مشتقٌّ من قولهم : أَذِنَ إِلَى شَيْءٍ ؛ إِذا استمع ؛ ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]

صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِه *** وَإِنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا

وقرأ نافع : «أذن » بسكون الذال فيهما ، وقرأ الباقون بضمِّها فيهما ، وكلُّهم قرأ بالإِضافة إِلى «خير » إِلا ما رُوِيَ عن عاصمٍ ، وقرأ الحسن وغيره : «قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ » بتنوين «أُذن » ، ورفع «خير » ، وهذا جار على تأويله المتقدِّم ، والمعنى : من يقبل معاذيركم خيرٌ لكم ، ورُوِيَتْ هذه القراءة عن عاصمٍ ، ومعنى «أذن خيرٍ » على الإِضافة : أي سَمَاعُ خيرٍ وحقٍّ ، و{ يُؤْمِنُ بالله } معناه : يصدِّق باللَّه ، { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } قيل : معناه : ويصدِّق المؤمنين ، واللام زائدة ، وقيل : يقال : آمَنْتُ لك ، بمعنى : صدَّقتك ؛ ومنه : { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [ يوسف : 17 ] .

قال ( ع ) : وعندي أن هذه التي معها اللامُ في ضِمْنها بَاءٌ ، فالمعنَى : ويصدِّق للمؤمنين بما يخبرونه به ، وكذلك قوله : { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } بِمَا نَقُوله .

( ت ) : ولما كانَتْ أخبار المنافقين تصلُ إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تارةً بأِخبار اللَّه له ، وتارةً بإِخبار المؤمنين ، وهم عدولٌ ، ناسب اتصال قوله سبحانه : { يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة :61 ] ؛ بما قبله ، ويكون التصديقُ هنا خاصًّا بهذه القضيَّة ، وإِن كان ظاهر اللفْظِ عامًّا ؛ إِذ من المعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ مصدِّقاً باللَّه ، وقرأ جميع السبعة إِلاَّ حمزة و«رَحْمَةٌ » بالرفع ؛ عطفاً على «أُذُن » ، وقرأ حمزة وحْده : و«رَحْمَةٍ » بالخفض ؛ عطفاً على «خَيْرٍ » ، وخصَّص الرحمة للذين آمنوا ؛ إِذ هم الذين فازوا ونَجْوا بالرسول عليه السلام .

وقوله سبحانه : { يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ } [ التوبة : 62 ] .

يعني : المنافقين .