غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

60

ثم حكى نوعاً من فضائح المنافقين وهو أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه الطعن والذم { هو أذن } عن ابن عباس كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون ما لا ينبغي فقال بعضهم : لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فنحلف له . فقال الجلاس بن سويد ، نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن سامعة فنزلت الآية . وقال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره : نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث وكان رجلاً أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث » وكان ينم حديث النبي صل الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له : لا تفعل فقال : إنما محمد أذن من حدثه شيئاً صدقه نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدّقنا . وقال السدي : اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت فأرادوا إن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس ، فحقروه فتكلموا وقالوا إن كان ما يقوله محمد حقاً لنحن شر من الحمير فغضب الغلام وقال : والله إن ما يقول محمد حق وإنكم لشر من الحمير ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا أن عامراً كاذب وحلف عامر أنهم كذبة . وقال : اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق من كذب الكاذب فنزلت الآيتان . قال علماء اللغة : الأذن الرجل الذي يصدق بكل ما يسمع ويقبل قول كل أحد سمي بالجارحة التي هي آلة السماع كأنه جملته أذن سامعة ومثله قولهم للربيئة عين . وفسر إيذاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يقولون له أذن وذلك أنهم قصدوا به المذمة وأنه ليس ذا ذكاء ولا بعيد غور بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع . ويجوز أن يراد بالإيذاء أنواع أخر سوى هذا القول أي يؤذونه بالغيبة والنميمة وسائر أنواع الأذية ويقولون في وجه الاعتذار عن ذلك هو أذن يقبل كل ما يسمع ، فنحن نأتيه فنعتذر إليه فيسمع عذرنا فيرضى ، ثم إنه سبحانه أجاب عن قولهم فقال { قل أذن خير لكم } بالإضافة كقولهم : رجل صدق يريدون الجودة والصلاح . ومجوز الإضافة هو الملابسة كأنه قيل : نعم هو أذن ولكن نعم الأذن إذ أريد هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعة وقبوله وليس بإذن في غير ذلك ويؤيده قراءة حمزة { رحمة } بالجر عطفاً عليه عطف الخاص على العام أي هو أذن خير ورحمة لا يسمع ولا يقبل غيرهما .

ثم بين كونه أذن خير بأنه { يؤمن بالله } أي يقرّ به ويعترف بوحدانيته لما قام عنده من الأدلة { ويؤمن للمؤمنين } يسلم لهم قولهم لوثوقه بقولهم وعلمه بإخلاصهم لا لكونه من أهل الغرة والبله { و } هو { رحمة للذين آمنوا منكم } باللسان دون الجنان لأنه يجري أمركم على الظاهر ولا يبالغ في التفتيش عن بواطنكم فإن الله هو الذي يتولى السرائر ولهذا ختم الآية بقوله { والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم } وأما من قرأ { أذن خير } بالرفع فيهما فعلى أن الإذن خبر مبتدأ محذوف و { خير } كذلك أي هو أذن هو خير . والمعنى هو أذن موصوف بالخيرية في حقكم لأنه يقبل معاذيركم ويتغافل عن جهالاتكم فتحفظ بذلك دماؤكم وأموالكم . وقيل : التقدير قل أذن واعية سامعة للحق خير لكم من هذا الطعن الفاسد . ثم ذكر بعده ما يدل على فساد هذا الطعن وهو قوله { يؤمن بالله } إلى آخره . ووجه ثالث ذكره صاحب النظم واستحسنه الواحدي وهو أن قوله { أذن } وإن كان رافعاً في الظاهر لكنه نصب في الحقيقة على الحال وتأويله : قل هو أذنا خير لكم .

/خ69