وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ) أخبر أنهم يؤذون النبئ ولم يبين بما كان يؤذون ، فيحتمل ( يؤذون النبئ ) بتكذيبهم إياه وتركهم الإجابة له والطاعة فيما يدعوهم إليه ، ويحتمل يؤذونه بكلمات يسمعونه بطعن يطعنونه[ من م ، في الأصل : يطعنون ] ويعيبون عليه .
[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) قيل : الأذن هو الذي يقبل العذر ممن اعتذر إليه ، ويسمع منه ، سواء كان له عذر أم[ في الأصل وم : أو ] لا عذر له لكرمه وشرفه وحسن خلقه . /216-ب/ فظن أولئك لما رأوه أنه كان يعاملهم معاملة أهل الكرم والشرف والمجد أنه إنما يعاملهم هذه المعاملة لسلامة قلبه وصغر همته وقصور يده ، وهم كانوا أهل كبر وأنفة ، قالوا : ( هو أذن ) نقول ما شئنا ، ثم نخلف ونعتذر إليه ، فيصدقنا ، ويقبل عذرنا .
قال الله تعالى : ( قل ) يا محمد ( أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) أي الذي يقبل العذر ويسمع ( خير لكم ) من الذي لا يقبل ولا يسمع ، فكيف تؤذونه ، وتطعنونه ، وتعيبون ، ولا تصدقون ، ولا تؤمنون به ؟ يخبر عن سفههم .
قال أبو عوسجة : الذي من قال له شيئا أو وحدثه حديثا صدقه ، واستمع منه وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق كل من قال له شيئا وحدثه حديثا ، واستمع لكرمه وشرفه ومجده وحسن خلقه لا[ أدرجت في م بعد لما ] لما ظن أولئك .
وقيل : ( وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) أي ليسر في نفسه ويكتم ولا يكافئ من أذاه ولا يجازي .
قال الله تعالى : ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) قال[ في الأصل وم : وقال ] بعضهم : ( يؤمن بالله ) أي يصدق بالله بما ينزل عليه ومن آياته ( بؤمن بالله ) أي يصدقهم في ما بينهم من شهاداتهم وإيمانهم على حقوقهم وفروجهم وأموالهم .
ويحتمل قوله : ( يؤمن بالله ) يصدقه بما يخبره من سر المنافقين وما استكتموه منه من الكيد له والمنكر به ( يؤمن للمؤمنين ) بما يخبرونه من قِيل أولئك المنافقين من الطعن فيه والعيب عليه . والإيمان[ في الأصل : والإيمان بآخر ، في م : ولا إيمان بآخر ] : هو التصديق بجميع[ من م ، في الأصل : جميع ] ما فيه ، والإيمان له من خَبره وحديثه .
وقوله تعالى : ( ويؤمن للمؤمنين ) في ما يشهدون في ما يشهدون في الآخرة له بالتبليغ إليهم كقوله : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ )[ الأعراف : 6 ] ويكون قوله ( ويؤمن للمؤمنين ) أي يؤمن بالمؤمنين فيما بينهم بالأخوة في الدين كقوله : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ )[ التوبة : 11 ] .
وقوله تعالى : ( ورحمة للذين آمنوا ) كان صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمنين لما استنقذهم من الكفر إلى الإيمان ومن الهلاك إلى النجاة ؛ يشفع لهم في الآخرة بإيمانهم في الدنيا .
[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة بقية من الآية الأولى .
وقوله تعالى : ( والغارمين ) جعل الله الغارم موضعا للصدقة وهو الذي عليه الدين و الغرم من أي وجه لحقه على ذلك . روي في الخبر عن نبي الله [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «إن المسألة لا تحل لغني إلا بإحدى ثلاث[ في الأصل : إلا بإحدى ثلاث من ، في م : إلا إحدى ثلاث من ] : فقر مدقع أو غرم مفظع أو لذي دم موجع »[ بنحوه الترمذي653 ] وفي بعض الأخبار «أن الصدقة لا [ تحل لغني إلا لخمسة : لعامل ][ في الأصل وم : يحل إلا لخمس للعامل ] عليها أو رجل اشتراها أو غارم أو غاز في سبيل الله [ أو مسكين تُصُدِّق عليه منها ، فأهدى منها لغني ][ ساقطة من الأصل وم ] »[ بنحوه ابن ماجه1841 ] .
وروي عن الحسن والحسين وابن عمر وابن جعفر أن رجلا سألهم شيئا ، فقالوا : إن كانت مسألتك في إحدى ثلاث فقد وجب حقك : في فقر مذقع أو غرم مفظع أو دم موجع .
هذه الأخبار كلها تدل على أن الغارم موضع للصدقة ؛ قل دينه أو كثر . فإن قيل في الخبر : أو غرم مفظع : قيل لا خلاف بينهم في أن من دينه غير مفظع فله أن يأخذ بقدر دينه من الصدقة . فهذا يدل أن الذي روي في الخبر إنما هو لكراهم المسألة لا على التحريم . وهكذا نقول : إن المسألة لا تحل له إذا كان غرمه غير مفظع ، ولكن يحل وضعه فيه وأخذه له .
وقوله تعالى : ( وفي سبيل الله ) هو ما ذكرنا أنه المنقطع عن ماله جعله الله موضع للصدقة . فإن كان غنيا في مقامه للحاجة التي بدت له . وعلى ذلك روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل الله وابن السبيل أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأهدى له »[ أبو داوود1635 ] .
وفي بعض الأخبار عنه ما ذكرنا[ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة » وفيه «أو فقير تصدق عليه فأهداها للغني »[ أبو داوود1665 ] وقد يكون الرجل غنيا بأن يكون له دار يسكنها ومتاع تهيأه[ في الأصل وم : يتهياء ] وثياب ، عزم على الخروج في سفر غزو ، احتاج إلى [ في الأصل وم : من ] آلات سفره وسلاح يستعمله في غزوه ومركب يغزو عليه وخادم ليستغني بخدمته ما[ أدرج قبلها في الأصل وم : إلى ] لم يكن محتاجا إليه في حال إقامته ، فيجوز أن يعطى من الصدقة ما يستغني به في حوائجه التي يحدثها سفره[ في الأصل وم : لسفره ] .
فهو في مقامه غني بما يملكه لأنه غير محتاج حينئذ إلى ما وصفنا ، وهو في حال سفره غير غني فيحتمل أن يكون معنى قوله : «لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في سبيل الله » على من كان غنيا في حال مقامه فيعطى بعض ما يحتاج إليه لسفره لما أحدث السفر له من الحاجة .
ألا ترى أن الرجل قد يكون له المتاع لا يحتاج إليه والدابة لا يركبها فإذا صار ذلك مئتي درهم لم يجز له أن يأخذ من الزكاة ، فإن عرض له مرض أو سفر ، فاحتاج إلى دابة ليركبها فإنه[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] يخرج من الغنى بما حدث له من الحاجة إلى الركوب ، وكان له أن يأخذ من الصدقة عندنا لا يستغني عما هو له ، وإنما الغني من استغنى عما يملكه ؟ .
فكذلك الغارم على العرف قد تحدث له الحاجة إلى أكثر مما يملكه ، ويصير[ في الأصل وم : وصار ] ممن يجوز أن يعان ، وإن كان ملكه الذي كان به غنيا قبل ذلك لم ينقص . فهذا ، والله أعلم ، يحتمل .
وابن السبيل أيضا ما ذكرنا أيضا من الخبر ألا تحل الصدقة لغني إلا لابن السبيل ومن ذكر معه .
وعلى ذلك اتفاق الأئمة[ في الأصل وم : الأمة ] ، وهو ما قيل المجتاز من أرض إلى أرض . وعن ابن عباس رضي الله عنه في تأويل قوله : ( إلا عابري سبيل ) فهو المسافر وهو ما ذكرنا أنه المنقطع عن ماله وإن كان غنيا في مقامه ، والفقير الذي يجوز أن يعطى من الصدقة بما روي عن الحسن ابن علي رضي الله عنهما [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «للسائل حق ، وإن جاء على فرس »[ أبو داوود : 1665 ] وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «لا يسأل عبد أو أحد مسألة ، وله ما يغنيه إلا جاءت يوم القيامة خدوشا أو كدوحا في وجهه ، قال يا رسول الله وماذا يغنيه ؟ أو ما أغناه ؟ قال : خمسون درهما أو حسابها من الذهب »[ عن ابن مسعود أبو داوود1626 ] .
وفي بعض الأخبار : «من سأل ، وله أربعون درهما فقد ألحف »[ النسائي 5/98 ] وعن علي وعبد الله [ أنهما ][ ساقطة من الأصل وم ] قالا : لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب ، وعن عمر كذلك . وعن ابن عباس [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : «سأل رجل رسول صلى الله عليه وسلم فقال : عن لي أربعين [ في الأصل وم : أربعون ] درهما ، مستكثر أنا ؟ قال نعم »[ أبو داوود1634 ] .
وفي بعض الأخبار عن أبي هريرة [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي » وفي بعض الأخبار «لقوي مكتسب »[ أبو داوود1633 ] وإنما يحتمل قوله : «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي »[ تخريجه على ][ في الأصل وم : خرج عن ] الزجر عن العرض على الصدقة والمسألة عليها .
وروي عن سلمان أنه حمل إلى رسول الله صدقة ، فقال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل هو ، ولا يتوهم متوهم أن أصحابه كانوا زمنى ، فهذا يبين أن النبي أراد الزجر عن المسألة والتعرض لها في حال الضرورة لا على التحريم له ، وأن من أخذها وله أقل من مئتين درهم أو قيمتها ، فله في ما يملك سداد من عيش ، فذلك مكروه .
ألا ترى أنه روي عن الحسن أنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم /217-أ/ يأخذون الصدقة ، ولأحدهم من السلاح والقراع والعقار قيمة عشرة آلاف درهم ، فهذا حسن ، والتعفف عنها أحسن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استغنى أغناه الله ، ومن استعف أعفه الله »[ النسائي 5/98 ] . وقوله : «لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب خير له من أن يسأل الناس شيئا أعطوه أو منعوه »[ البخاري1471 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.