الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

قوله : { ومنهم الذين يوذون النبيء ويقولون هو أذن } ، إلى قوله : { إن كانوا مومنين }[ 61 ، 62 ] .

روى الأعمش عن أبي بكر : " قل أذن خير لكم " ، بالتنوين والرفع فيهما ، وهي قراءة الحسن{[29118]} .

ومعنى ذلك : قل هو أذن خير لا أذن شر ، وذلك أنهم قالوا : هو يسمع من كل أحد ، ويسمع ما يقال له ويصدقه{[29119]} .

فقوله : { هو أذن }{[29120]} ، أي : أذن سامعة تسمع من كل أحد{[29121]} .

وأصله من " أذن " إذا تسمع{[29122]} .

ومنه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أُذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " {[29123]} .

ويروى أن هذه الآية نزلت في نبتل{[29124]} بن الحارث ، ونفر معه من المنافقين ، كان نبتل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ، يتحدث إليه فيستمع النبي صلى الله عليه وسلم منه ، فينقل حديثه إلى المنافقين ، ويقول : إنما محمد أذن ، من حدّثه سمع منه وصدّقه{[29125]} .

وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيه : " من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل ابن الحارث " .

وكان جسيما ، ثائر شعر الرأس ، أسفع{[29126]} الخدين ، أحمر العينين .

ومعنى قراءة من نون{[29127]} ، قل : أذن يسمع ما تقولون ويصدقكم في قولكم خير لكم من أن يكذبكم في قولكم ، فالتقدير : إن كان الأمر كما تقولون فهو خير لكم يقبل اعتذاركم{[29128]} .

وقوله : { يومن بالله }[ 61 ] .

أي : يصدق بالله ، ويصدق المؤمنين{[29129]} ، أي : لا يقبل إلا من المؤمنين . فأكذبهم{[29130]} الله فيما قالوا عنه : إنه يقبل من كل أحد ، فأخبرهم أنه إنما يصدق المؤمنين{[29131]} لا الكافرين والمنافقين{[29132]} .

والعرب تقول : " آمنت له ، وآمنته " بمعنى ، أي : صدقته ، كما قال : { ردف{[29133]} لكم } ، بمعنى : ردفكم وكما قال : { للذين{[29134]} هم لربهم يرهبون }{[29135]} ، أي : ربهم يرهبون{[29136]} .

و( اللام ) عند الكوفيين زائدة{[29137]} ، وعند المبرد متعلقة بمصدر دل عليه الفعل{[29138]} . يعني : { ردف لكم }{[29139]} و{ يرهبون }{[29140]} .

قال ابن عباس : { هو أذن } ، أي : يسمع من كل أحد{[29141]} .

قال قتادة : كانوا يقولون : محمد أذُن ، لا يُحدث بشيء إلا صدقه{[29142]} .

وقوله : { ورحمة }[ 61 ] .

أي : وهو رحمة{[29143]} .

ومن قرأ : بالخفض{[29144]} ، فعل معنى : هو أذن خير وأذن رحمة لمن اتبعه{[29145]} .

{ والذين يوذون رسول الله }[ 61 ] .

أي : يعيبونه ، { لهم عذاب أليم } : أي : مؤلم .


[29118]:جامع البيان 14/325، وفيه: "وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ذلك..." والمحرر الوجيز 3/53، وفيه: "وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وعيسى بخلاف...."، وزاد المسير 3/461، وفيه: "وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، والحسن ومجاهد، وابن يعمر، وابن أبي عبلة..."، والبحر المحيط 5/64، وفيه: "وقرأ الحسن، ومجاهد، وزيد بن علي، وأبو بكر عن عاصم في رواية..."، والقراءات الشاذة لعبد الفتاح القاضي 52، وعزاها للحسن وحده. والمعنى، كما في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/457، فإن من يسمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم".
[29119]:انظر: جامع البيان 14/324، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/457.
[29120]:قرأ نافع بإسكان الذال في كل القرآن، كأنه استثقل ثلاث ضمات فسكن. وقرأ الباقون بضم الذال على أصل الكلمة. الحجة في القراءات 319.
[29121]:جامع البيان 14/324.
[29122]:في جامع البيان 14/324: "وأصله: من "أذن له يأذن"، إذا استمع له". وفي المختار مادة: سمع: "...ويقال: تسمّع إليه، وسمع إليه، وسمع له، كله بمعنى".
[29123]:رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.
[29124]:في "ر": نيتل، بالياء، وهو تصحيف، وفي الأصل: من الحارث، وهو سهو ناسخ.
[29125]:جامع البيان 14/325، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1826، وأسباب النزول للواحدي 254، ولباب النقول 206.
[29126]:السُّفعة: على وزن غرفة، سواد مشرب بحمرة، وسفِع الشيء من باب تعب، إذا كان لونه كذلك فالذكر أسفع، والأنثى سفعاء، مثل: أحمر وحمراء،/ المصباح/سفع.
[29127]:في الأصل: نور براء مهملة، وهو تحريف. وفي "ر": من تدن، وهو تحريف أيضا، وأثبت ما يعضده السياق.
[29128]:انظر: جامع البيان 14/325، 326.
[29129]:في المخطوطتين: للمؤمنين، وأثبت ما في جامع البيان الذي اعتمده مكي.
[29130]:في "ر" فاقدهم، وهو تحريف لا معنى له.
[29131]:في المخطوطتين: للمؤمنين، وأثبت ما في جامع البيان.
[29132]:انظر جامع البيان 14/327.
[29133]:النمل آية 74، والآية بتمامها: {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون}.
[29134]:في الأصل: الذين، وهو تحريف.
[29135]:الأعراف آية 154، والآية بتمامها: {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون}.
[29136]:جامع البيان 14/327.
[29137]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/331 "... ولا يحسن عطف "رحمة" على "المؤمنين"؛ لأن "اللام" في {للمومنين} زائدة، وتقديره: ويؤمن المؤمنين، أي: يصدقهم. انظر: زاد المسير 3/461، وتبيان 6/648.
[29138]:إعراب القرآن للنحاس 2/223، وهو في المحرر الوجيز 3/53، وتفسير القرطبي 8/122، والبحر المحيط 5/65.
[29139]:في الأصل: ردفع، وهو تحريف.
[29140]:قال ابن عطية، المصدر السابق معقبا على قول المبرد: "....كأنه قال: وإيمانه للمؤمنين، أي تصديقه، ويقال: آمنت لك، بمعنى صدقتك، ومنه قوله تعالى: {وما أنت بمومن لنا}[يوسف] 17، وعندي أن هذه التي معها "اللام" في ضمنها "باء"، فالمعنى، ويصدق للمؤمنين بما يخبرونه...".
[29141]:جامع البيان 14/326، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1827، وزاد نسبته إلى الضحاك، والدر المنثور 4/227.
[29142]:جامع البيان 14/326، بتصرف انظر: تفسير ابن كثير 2/366.
[29143]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/330، 331 "....من رفعها عطفها على {أذن}، أي: هو مستمع خير وهو رحمة للذين آمنوا فجعل النبي هو الرحمة لكثرة وقوعها به وعلى يديه...". انظر مزيد بيان في الكشف 1/503، 504.
[29144]:وهي قراءة حمزة، وقرأ الباقون: بالرفع، الكشف 1/503، وكتاب السبعة في القراءات 315، وحجة القراءات 320، والتيسير 1/97.
[29145]:انظر: تفصيل ذلك في الكشف 1/504.