مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

{ وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد ، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة ، وإيذاؤهم له هو قولهم فيه { هُوَ أُذُنٌ } قصدوا به المذمة وأنه من أهل سلامة القلوب والعزة ، ففسره الله تعالى بما هو مدح له وثناء عليه فقال { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } كقولك «رجل صدق » تريد الجودة والصلاح كأنه قيل : نعم هو أذن ولكن نعم الأذن ، ويجوز أن يريد هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك .

ثم فسر كونه أذن خير بأنه { يُؤْمِنُ بالله } أي يصدق بالله لما قام عنده من الأدلة { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار ، وعدي فعل الإيمان بالباء إلى الله ، لأنه قصد به التصديق بالله الذي هو ضد الكفر به ، وإلى المؤمنين باللام لأنه قصد السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقه لكونهم صادقين عنده ، ألا ترى إلى قوله { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [ يوسف : 17 ] كيف ينبو عن الباء { وَرَحْمَةٌ } بالعطف على { أذن } { وَرَحْمَةٌ } : حمزة عطف على { خَيْرٍ } أي هو أذن خير وأذن رحمة لا يسمع غيرها ولا يقبله { لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ } أي وهو رحمة الذين آمنوا منكم أي أظهروا الإيمان أيها المنافقون حيث يقبل إيمانكم الظاهر ولا يكشف أسراركم ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين ، أو هو رحمة للمؤمنين حيث استنقذهم من الكفر إلى الإيمان ويشفع لهم في الآخرة بإيمانهم في الدنيا { والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الدارين .