فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنۡهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٞۚ قُلۡ أُذُنُ خَيۡرٖ لَّكُمۡ يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤۡمِنُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (61)

قوله : { وَمِنْهُمُ } هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم ، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، على وجه الطعن والذم هو أذن . قال الجوهري : يقال : رجل أذن : إذا كان يسمع مقال كل أحد ، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم ، أقمأهم الله ، أنهم إذا آذوا النبيّ وبسطوا فيه ألسنهم . وبلغه ذلك اعتذروا له ، وقبل ذلك منهم ، لأنه يسمع كل ما يقال له ، فيصدّقه ، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدّقه أنه أذن مبالغة ، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع ، حتى كأن جملته أذن سامعة ، ونظيره قولهم : للربيئة عين ، وإيذاؤهم له هو قولهم : { هُوَ أُذُنٌ } لأنهم نسبوه إلى أنه يصدّق كل ما يقال له ، ولا يفرق بين الصحيح والباطل ، اغتراراً منهم بحلمه عنهم ، وصفحه عن جناياتهم كرماً وحلماً وتغاضياً ، ثم أجاب الله عن قولهم هذا ، فقال : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } بالإضافة على قراءة الجمهور . وقرأ الحسن بالتنوين ، وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه ، كأنه قيل : نعم هو أذن ، ولكن نعم الأذن هو ، لكونه أذن خير لكم ، وليس بأذن في غير ذلك . كقولهم رجل صدق ، يريدون الجودة والصلاح . والمعنى أنه يسمع الخير ولا يسمع الشرّ . وقرئ «أذن » بسكون الذال وضمها . ثم فسر كونه أذن خير بقوله : { يُؤْمِنُ بالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } أي : يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان . فتكون اللام في { لِلْمُؤْمِنِينَ } للتقوية ، كما قال الكوفيون ، أو متعلقة بمصدر محذوف ، كما قال المبرد . وقرأ الجمهور { وَرَحْمَةً } بالرفع عطف على أذن . وقرى حمزة بالخفض عطفاً على خير . والمعنى على القراءة الأولى : هو أنه أذن خير ، وأنه هو رحمة للمؤمنين ، وعلى القراءة الثانية : أنه أذن خير وأذن رحمة . قال النحاس : وهذا عند أهل العربية بعيد ، يعني : قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الإسمين ، وهذا يقبح في المخفوض . والمعنى : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أذن خير للمنافقين { وَرَحْمَةً } لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولا فضحهم ، فكأنه قال : هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء ، فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسرّه بما هو مدح له وثناء عليه ، وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته . ومعنى { لّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي : الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة { والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله }صلى الله عليه وسلم بما تقدّم من قولهم : هو أذن ، ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم } أي : شديد الألم . وقرأ ابن أبي عبلة «ورحمة للمؤمنين » بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف : أي ورحمة لكم يأذن لكم .

/خ66