معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

قوله تعالى : { قالوا } ، يعني : أولاد يعقوب ، { تالله تفتؤا تذكر يوسف } أي : لا تزال تذكر يوسف ، لا تفتر من حبه ، يقال : ما فتئ يفعل كذا أي : ما زال يفعل ، ولا محذوفة من قوله { تفتؤا } يقال : ما فتىء يفعل كذا ، أي ما زال ، كقول امرئ القيس :

‌فقلت يمين الله أبرح قاعدا *** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي : لا أبرح . { حتى تكون حرضاً } ، قال ابن عباس : دفنا . وقال مجاهد : الحرض ما دون الموت ، يعني : قريبا من الموت . وقال ابن إسحاق : فاسدا لا عقل له . والحرض : الذي فسد جسمه وعقله . وقيل : ذائبا من الهم . ومعنى الآية : حتى تكون دنف الجسم مخبول العقل . وأصل الحرض : الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو الهرم ، أو العشق ، يقال : رجل حرض وامرأة حرض ، ورجلان وامرأتان حرض ، ورجال ونساء ، كذلك يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، لأنه مصدر وضع موضع الاسم . { أو تكون من الهالكين } أي : من الميتين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

جملة { قالوا تالله } محاورة بنيه إياه عندما سمعوا قوله : { يا أسفى على يوسف } وقد قالها في خلوته فسمعوها .

والتاء حرف قسم ، وهي عوض عن واو القسم . قال في « الكشاف » في سورة الأنبياء : « التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب » . وسلمه في « مغني اللبيب » ، وفسره الطيبي بأن المقسم عليه بالتاء يكون نادر الوقوع لأن الشيء المتعجب منه لا يكثر وقوعه ومن ثم قل استعمال التاء إلا مع اسم الجلالة لأن القسم باسم الجلالة أقوى القسم .

وجواب القسم هو { تفتأ تذكر يوسف } باعتبار ما بعده من الغاية ، لأن المقصود من هذا اليمين الإشفاق عليه بأنه صائر إلى الهلاك بسبب عدم تناسيه مصيبة يوسف عليه السلام وليس المقصود تحقيق أنه لا ينقطع عن تذكر يوسف . وجواب القسم هنا فيه حرف النفي مقدر بقرينة عدم قرنه بنون التوكيد لأنه لو كان مثبتاً لوجب قرنه بنون التوكيد فحذف حرف النفي هنا .

ومعنى { تفتأ } تفتر . يقال : فتىء من باب علم ، إذا فتر عن الشيء . والمعنى : لا تفتر في حال كونك تذكر يوسف . ولملازمة النفي لهذا الفعل ولزوم حال يعقب فاعله صار شبيهاً بالأفعال الناقصة .

و { حرضاً } مصدر هو شِدة المرض المشفي على الهلاك ، وهو وصف بالمصدر ، أي حتى تكون حرضاً ، أي بالِياً لا شعور لك . ومقصودهم الإنكار عليه صداً له عن مداومة ذكر يوسف عليه السلام على لسانه لأن ذكره باللسان يفضي إلى دوام حضوره في ذهنه .

وفي جعلهم الغاية الحرض أو الهلاك تعريض بأنه يذكر أمراً لا طمع في تداركه ، فأجابهم بأن ذكره يوسف عليه السلام موجه إلى الله دْعاءً بأن يردّه عليه . فقوله : { يا أسفى على يوسف } تعريض بدعاء الله أن يزيل أسفه بردّ يوسف عليه السلام إليه لأنه كان يعلم أن يوسف لم يهلك ولكنه بأرض غربة مجهولة ، وعلم ذلك بوحي أو بفراسة صادقة وهي المسماة بالإلهام عند الصوفية .

فجملة { إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله } مفيدة قصر شكواه على التعلّق باسم الله ، أي يشكو إلى الله لا إلى نفسه ليجدد الحزن ، فصارت الشكوى بهذا القصد ضراعة وهي عبادة لأن الدعاء عبادة ، وصار ابييضاض عينيه الناشىء عن التذكر الناشىء عن الشكوى أثراً جسدياً ناشئاً عن عبادة مثل تفطّر أقدام النبي صلى الله عليه وسلم من قيام الليل .