معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

قالوا : { تَالله تَفْتَأ 85 }

معناه لا تزال تذكر يوسف و ( لا ) قد تضمر مع الأَيمان ؛ لأنها إذا كانت خبرا لا يضمر فيها ( لا ) لم تكن إلا بِلاَم ؛ ألا ترى أنك تقول : والله لآتينَّكَ ، ولا يجوز أن تقول : والله آتيك إلاَّ أن تكون تريد ( لا ) فلما تبيَّن موضعُها وقد فارقت الخبر أُضمرت ، قال امرؤ القيس :

فقلت يَمينَ الله أبرح قاعداً *** ولو قطعوا رأسي لديكِ وأوصَالي

وأنشدني بعضهم :

فلا وأبى دَهْماء زالت عزيزةً *** على قَوْمها ما فَتَّل الزَّنْدَ قادح

يريد : لا زالت . وقوله : { حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً } يقال : رجل حَرَض وامرأة حَرَض وقوم حَرَض ، يكون موحَّداً على كلّ حالٍ : الذكر والأنثى ، والجميع فيه سَوَاء ، ومن العرب من يقول للذكر : حارِض ، وللأنثى حارضة ، فيثنّى ها هنا وَيجمع ؛ لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل يُجمع . والحارض : الفاسد في جسمه أو عقله . ويقال للرجل : إنه لحارض أي أحمق . والفاسد في عقله أيضاً . وأما حَرَض فتُرك جمعه لأنه مصدر بمنزلة دَنَف وضَنىً . والعرب تقول : قوم دنَف ، وضَنىً وَعدْل ، ورِضا ، وزَوْر ، وعَوْد ، وضَيْف . ولو ثُنّى وجمع لكان صَواباً ؛ كما قالوا : ضيف وأضياف . وقال عزّ وجلّ { أنُؤْمِنُ لِبَشَرَينِ مِثْلِنا } وقال في موضع آخر : { ما أَنْتُمْ إلاَّ بَشَرٌ } والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جمعه ؛ لأن الواحد قد يكون في معنى الجمع ولا يكون في معنى اثنين ؛ ألا ترى أَنك تقول : كم عندك من درهم ومن دراهم ، ولا يجوز : كم عندك من درهمين . فلذلك كثرت التثنية ولم يجمع .