النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

قوله عز وجل : { قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف } قال ابن عباس والحسن وقتادة : معناه لا تزال تذكر يوسف ، قال أوس بن حجر :

فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي *** ويلحق منها لاحق وتقطّعُ{[1541]}

أي فما زالت . وقال مجاهد : تفتأ بمعنى تفتر .

{ حتى تكون حرضاً } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها{[1542]} : يعني هرماً ، قاله الحسن .

والثاني : دنفاً من المرض ، وهو ما دون الموت ، قاله ابن عباس ومجاهد .

والثالث : أنه الفاسد العقل ، قاله محمد بن إسحاق . وأصل الحرض فساد الجسم والعقل من مرض أو عشق ، قال العرجي{[1543]} .

إني امرؤ لجّ بي حُبٌّ فأحرضني *** حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم

{ أو تكون من الهالكين } يعني ميتاً من الميتين ، قاله الجميع .

فإن قيل : فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر ، وأبوه بحرّان من أرض الجزيرة ؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء ؟

قيل يحتمل أربعة أوجه :

أحدها : أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى ، ابتلاء له لمصلحة علمها فيه لأنه نبيّ مأمور .

الثاني : أنه بلي بالسجن ، فأحب بعد فراقه أن يبلو نفسه بالصبر .

الثالث : أن في مفاجأة السرور خطراً وأحب أن يروض نفسه بالتدريج .

الرابع : لئلا يتصور الملك الأكبر فاقة أهله بتعجيل استدعائهم حين ملك .


[1541]:كنى بالخيل من أصحابها، وتثوب: تلوح بطرف الثوب عند النداء من بعيد. وتدعى: بدعو بعضهم بعضا. ويلحق: يسبق. وتقطع: أي تنقطع وينقطع بعضها عن بعض. وقد صور الحرب في هذا البيت.
[1542]:من هنا إلى: وقال الشاعر عدي بن الرقاع سقط من ك وهو نحو ورقة.
[1543]:هو عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان، لقب بالعرجى لأنه كان يسكن عرج الطائف. وكان من شعراء قريش وممن شهر بالغزل حبسه محمد بن هشام لأنه شبب بأمه وزوجته. مكث في السجن تسع سنين ومات إليه.