الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ} (85)

قوله تعالى : { تَفْتَؤُاْ } : هذا جوابُ القسم في قوله : " تاللَّهِ " وهو على حذفِ " لا " ، أي : لا تَفْتَأ ، ويدلُّ على حَذْفها أنه لو كان مثبتاً لاقترن بلامِ الابتداء ونون التوكيد معاً عند البصريين ، أو إحداهما عند الكوفيين وتقول : " واللَّهِ أحبُّك " تريد : لا أحبك ، وهو من التورية فإن كثيراً من الناسِ مبادِرٌ ذهنَه إلى إثبات المحبة . و " تَفْتأ " هنا ناقصة بمعنى لا تزال فترفع الاسمِ وهو الضمير ، وتنصِبُ الخبر وهو الجملة من قوله " تَذْكُرُ " ، أي : لا تزال ذاكراً له ، يقال : ما فتىء زيدٌ ذاهباً . قال أوس بن حجر :

2818 فما فَتِئَتْ حتى كأنَّ غبارَها *** سُرادِق يومٍ ذي رياحٍ تُرَفَّعُ

وقال أيضاً :

2819 فما فَتِئَتْ خيلٌ تَثُوْبُ وتَدَّعي *** ويَلْحَقُ منها لاحِقٌ وتُقَطَّعُ

وعن مجاهد : " لا تَفْتُر " ، قال الزمخشري : " كأنه جعل الفُتوء والفُتور أخوين " .

وفيها لغتان : فَتَأَ على وزن ضَرَب ، وأَفْتَأَ على وزن أكرم ، وتكون تامةً بمعنى سَكَّن وأطفأ كذا قاله ابن مالك ، وزعم الشيخ أنه تصحيف منه ، وإنما هي هي " فَثَأ " بالثاء المثلثة . ورُسِمَتْ هذه اللفظةُ " تفتؤ " / بالواو والقياس " تفتأ " بالألف ، ولذلك يُوْقَفُ لحمزة بالوجهين اعتباراً بالخط الكريم أو القياس .

قوله : { حَرَضاً } الحَرَضُ : الإِشفاء على الموت يُقال منه : حَرَضَ الرجلُ يَحْرُض حَرَضاً بفتح الراء ، فهو حَرِض بكسرها ، فالحَرَضُ مصدر ، فيجيء في الآية الأوجهُ في " رجل عَدْل " وقد تقدَّم مراراً ، ويُطْلَق المصدر من هذه المادة على الجُثَث إطلاقاً شائعاً ، ولذلك يَسْتوي فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث تقول : هو حَرَضٌ ، وهما حَرَض ، وهم حَرَض ، وهنَّ حَرَض ، وهي حَرَض ، ويقال : رجل حُرُض بضمتين نحو : جُنُب وشُلُل ويقال : أَحْرضه كذا ، أي : أهلكه . قال الشاعر :

2820 إني امرؤٌ لَجَّ بيْ حُبٌّ فَأَحْرَضَني *** حتى بَلِيْتُ وحتى شَفَّني السَّقَمُ

فهو مُحْرَض قال :

2821 أرى المَرْءَ كالأذْوادِ يُصبح مُحْرَضاً *** كإحراض بِكْرٍ في الديار مريضِ

وقرأ بعضهم : " حَرِضاً " بكسر الراء . قال الزمخشري : " وجاءَتِ القراءةُ بهما جميعاً " . يعني بفتح الراء وكَسْرِها " وقرأ الحسن بضمتين ، وقد تقدم أنه كجُنُب وشُلُل ، وزاد الزمخشري " وغُرُب " قال الراغب : " الحَرَض : ما لا يُعْتَدُّ به ولا خيرَ فيه ، ولذلك يقال لِما أشرف على الهلاك حَرِض ، قال تعالى : { حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً } وقد أحرضه كذا ، قال الشاعر : " أني امرؤ لجَّ " البيت . والحُرْضَةُ : مَنْ لا يأكل إلا لحمَ المَيْسِر لنذالتِه ، والتحريض : الحَثُّ على الشيء بكثرةِ التنزيين وتسهيل الخَطْبِ فيه كأنه إزالةُ الحَرَضِ نحو : " قَدَّيْتُه " ، أي : أَزَلْتُ عنه القَذَى ، وأَحْرَضْتُه : أَفْسَدْتُه نحو : أَفْذَيْتُه ، أي : جَعَلْتَ فيه القذى " انتهى .

والحُرُض : الأُشْنان لإِزالته الفسادَ ، والمِحْرَضَةُ وعاؤُه ، وشُذوذُها كشذوذ مُنْخُل ومُسْعُط ومُكْحُلَة .