معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

قوله تعالى : { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي } أي : نعمة ربي . وقيل : رزق ربي ، { إذاً لأمسكتم } ، لبخلتم وحبستم ، { خشية الإنفاق } أي : خشية الفاقة ، قاله قتادة . وقيل : خشية النفاد ، يقال : أنفق الرجل أي أملق وذهب ماله ونفق الشيء ، أي : ذهب . وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر . { وكان الإنسان قتوراً } أي : بخيلاً ممسكاً عن الإنفاق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

اعتراض ناشىء عن بعض مقترحاتهم التي توهموا عدم حصولها دليلاً على انتفاء إرسال بَشيرٍ ، فالكلام استئناف لتكملة رد شبهاتهم . وهذا رد لما تضمنه قولهم : { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } إلى قوله : { تفجيراً } [ الإسراء : 90 - 91 ] ، وقولهم : { أو يكون لك بيت من زخرف } [ الإسراء : 93 ] من تعذر حصول ذلك لعظيم قيمته .

ومعنى الرد : أن هذا ليس بعظيم في جانب خزائن رحمة الله لو شاء أن يظهره لكم .

وأدمج في هذا الرد بيانُ ما فيهم من البخل عن الإنفاق في سبيل الخير . وأدمج في ذلك أيضاً تذكيرهم بأن الله أعطاهم من خزائن رحمته فكفروا نعمته وشكروا الأصنام التي لا نعمة لها . ويصلح لأن يكون هذا خطاباً للناس كلهم مؤمنهم وكافرهم كل على قدر نصيبه .

وشأن ( لو ) أن يليها الفعل ماضياً في الأكثر أو مضارعاً في اعتبارات ، فهي مختصة بالدخول على الأفعال ، فإذا أوقعوا الاسم بعدها في الكلام وأخروا الفعل عنه فإنما يفعلون ذلك لقصدٍ بليغ : إما لقصد التقوي والتأكيد للإشعار بأن ذكر الفعل بعد الأداة ثم ذكر فاعله ثم ذكر الفعل مرةً ثانية تأكيدٌ وتقويةٌ ؛ مثل قوله : { وإن أحد من المشركين استجارك } [ التوبة : 6 ] وإما للانتقال من التقوي إلى الاختصاص ، بناءً على أنه ما قدم الفاعل من مكانه إلا لمقصد طريققٍ غير مطروق . وهذا الاعتبار هو الذي يتعين التخريج عليه في هذه الآية ونحوها من الكلام البليغ ، ومنه قول عُمر لأبي عبيدة لَوْ غيرُك قالها .

والمعنى : لو أنتم اختصصتم بملك خزائن رحمة الله دون الله لَما أنفقتم على الفقراء شيئاً . وذلك أشد في التقريع وفي الامتنان بتخييل أن إنعام غيره كالعدم .

وكلا الاعتبارين لا يُنَاكد اختصاص ( لو ) بالأفعال للاكتفاء بوقوع الفعل في حَيزها غيرَ مُوال إياها وموالاته إياها أمر أغلبي ، ولكن لا يجوز أن يقال : لو أنت عالم لبذذت الأقران .

واختير الفعل المضارع لأن المقصود فرض أن يملكوا ذلك في المستقبل .

و{ أمسكتم } هُنا منزل منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول ، لأن المقصود : إذن لاتصفتم بالإمساك ، أي البخل . يقال : فلان مُمسك ، أي بخيل . ولا يراد أنه ممسك شيئاً معيناً .

وأكد جواب ( لو ) بزيادة حرف ( إذن ) فيه لتقوية معنى الجوابية ، ولأن في ( إذن ) معنى الجزاء كما تقدم آنفاً عند قوله : { قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } [ الإسراء : 42 ] . ومنه قول بشر بن عَوانة :

أفاطم لو شهدت ببطن خَبْتٍ *** وقد لاقَى الهزبرُ أخاككِ بِشرَا

إذن لرأيتتِ لَيْثا أمَّ لَيثـــا *** هِزَبْرا أغلباً لاقَى هِزبــرا

وجملة { وكان الإنسان قتوراً } حالية أو اعتراضية في آخر الكلام ، وهي تفيد تذييلاً لأنها عامةُ الحكم . فالواو فيها ليست عاطفة .

والقتور : الشديد البخل ، مشتق من القتر وهو التضييق في الإنفاق .