غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

90

بين الله تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله وهي رزقه وسائر نعمه على خلقه التي لا نهاية لها لبقوا على بخلهم وشحهم فضلاً أن يملكوا خزائن هن بصدد الفناء والنفاد . قال النحويون : كلمة " لو " حقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء ، لأنها حين تكون على معناها الأصلي تفيد انتفاء الشي لانتفاء غيره . والاسم يدل على الذوات والفعل هو الذي يدل على الآثار والأحوال لا الذوات . وأيضاً إنها ههنا بمعنى " إن " الشرطية وهي مختصة بالفعل فلا بد من تقدير فعل بعدها ، فأصل الكلام : لو تملكون تملكون مرتين : فأضمر " تملك " إضماراً على شريطة التفسير فصار الضمير المتصل منفصلاً لسقوط ما كان يتصل هو به ف { أنتم } فاعل الفعل المضمر { تملكون } تفسيره . وقال علماء البيان : فائدة هذا التصرف الدال على الاختصاص أنهم هم المختصون بالشح المتبالغ ، وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر من حيث إنه لا يقصد الفعل بل الفاعل كما في قول حاتم : لو ذات سوار لطمتني . لا يقصد اللطمة بل اللاطمة أي لو حرة لطمتني وقوله : { خشية الإنفاق } أي خوف الفقر من أنفق ماله إذا ذهب وأمسكتم متروك المفعول معناه لبخلتم { وكان الإنسان قتوراً } أي بخيلاً شحيحاً ، والقتر والإقتار والتقتير والتقصير في الإنفاق . وهذا الخبر لا ينافي ما قد يوجد في الإنسان من هو كريم جواد لأن اللام للجنس أي هذا الجنس من شأنه الشح إذ كان باقياً على طبعه لأنه خلق محتاجاً إلى ضرورات المسكن والملبس والمطعوم والمنكوح ، ولا بد له في تحصيل هذه الأشياء من المال فيه تندفع حاجاته وتتم الأمور المتوقفة على التعاون ، فلا جرم يحب المال ويمسكه لأيام الضرورة والفاقة . ومن الناس من يحب المال محبة ذاتية لا عرضية فإذاً الأصل في الإنسان هو البخل والجود منه إنما هو أمر تكلفي أو عرضي طلباً للثناء أو الثواب . وقيل : المراد بهذا الإنسان المعهود السابق ممن قالوا { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا } بين الله تعالى أنهم لو ملكوا خزائن الأرض لبخلوا بها .

/خ111