فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

ثم لما وقع من هؤلاء الكفار طلب إجراء العيون والأنهار في أراضيهم لتتسع معايشهم بين الله سبحانه أنهم لا يقنعون بل يبقون على بخلهم وشحهم فقال :

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا ( 100 ) }

{ قُل } لهم شرحا لحالهم التي يدعون خلافها { لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ } تقديره لو تملكون أنتم لأن { لو } تدخل على الأفعال دون الأسماء فلا بد من فعل بعدها ؛ وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب ، وأما ما يقتضيه علم البيان فهو أن في حذف الفعل الذي ارتفع به أنتم وإبراز الكلام في صورة المبتدأ والخبر دلالة على أنهم هم المختصون بالشح المتبالغ فلا ينافي قوله تعالى : { لو أن لهم ما في الأرض جميعا } الآية . لأن ذلك في الآخرة .

{ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي } هي خزائن الأرزاق { إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ } أي لبخلتم وحبستم في دار الدنيا .

قال الزجاج : أعلمهم الله أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق والنعم لأمسكوا شحا وبخلا { خَشْيَةَ الإِنفَاقِ } أي خشية أن ينفقوا . قال أهل اللغة : أنفق وأصرم وأعدم وأقتر بمعنى قل ماله ، فيكون المعنى لأمسكتم خشية قلة المال وخوف نفاذه وذهابه بالإنفاق { وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا } أي بخيلا ممسكا مضيقا عليه ، يقال قتر على عياله يقتر قترا وقتورا ضيق عليهم من النفقة .

وقيل معنى قتورا قليل المال ؛ والظاهر أن المراد المبالغة في وصفه بالشح لأن الإنسان ليس بقليل المال على العموم بل بعضهم كثير المال إلا أن يراد أن جميع النوع الإنساني قليل المال بالنسبة إلى خزائن الله وما عنده ، وقد اختلف في هذه الآية على قولين : أحدهما : أنها نزلت في المشركين خاصة وبه قال الحسن . والثاني : إنها عامة ، وهو قول الجمهور وحكاه الماوردي .