السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

ولما قال الكفار : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } فطلبوا إجراء الأنهار والعيون في بلدتهم لتكثر أموالهم ويتسع عيشهم ، بيّن تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم بقوله تعالى : { قل } أي : لهؤلاء المتعنتين { لو أنتم } أي : دون غيركم { تملكون خزائن } عبر بصيغة منتهى الجموع لأنّ المقام جدير بالمبالغة { رحمة ربي } أي : خزائن رزقه وسائر نعمه وذلك غير متناه . { إذاً لأمسكتم } أي : لوقع منكم الإمساك عن الإنفاق في بعض الوجوه التي تحتاجونها { خشية } أي : مخافة عاقبة { الإنفاق } أي : الموصل إلى الفقر فكان المعنى أنكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على الشح والدناءة وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشح . وقول البيضاويّ تبعاً للزمخشريّ : أنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده . قال الزمخشريّ : تقديره لو تملكون جرى فيه على مذهب الكوفيين من أن لو يليها الفعل مضمراً كما يليها ظاهراً والبصريون يمنعون إيلاء لها مضمراً إلا في شذوذ كقول حاتم لو ذات سوار لطمتني ، وأصل هذا المثل أنّ امرأة عطلاء من الحلي والهيئة لطمت حاتماً على نحر الناقة وقالت له بقسوة إنما أردناك بفصدها والفصد عندهم أن يقطع عرق من عروق ثم يجمع دمها فيشوى وقيل أصله أنّ المرأة المذكوة لطمت رجلاً فقال : لو ذات سوار لطمتني لاحتملتها فصار مثلاً يضرب لكريم يلطمه الدني ، ثم استدل على صحة هذا المفروض بالشاهد من مضمون قولهم { وكان } أي : جبلة وطبعاً { الإنسان } أي : الذي من شأنه الأنس بنفسه فهو لذلك لا يعقل الأمور حق عقلها { قتوراً } أي : بخيلاً .

تنبيه : فتح الياء في ربي نافع وأبو عمرو ، وسكنها الباقون وهم على مراتبهم في المدّ . فإن قيل : قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم ؟ أجيب : من وجوه الأوّل : أن الأصل في الإنسان البخل لأنه خلق محتاجاً والمحتاج لا بدّ وأن يحبس ما به يدفع الحاجة وأن يمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود به لأسباب من خارج فثبت أن الأصل في الإنسان البخل . الثاني : أنّ الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد وليخرج عن عهدة الواجب فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض فهو في الحقيقة بخيل . الثالث : أنّ المراد بهذا الإنسان المعهود

السابق وهم الذين قالوا : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } .