تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحۡمَةِ رَبِّيٓ إِذٗا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡيَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ قَتُورٗا} (100)

الآية100 : وقوله تعالى : { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي لأمسكتم خشية الإنفاق } تحتمل الآية وجوها :

قال{[11273]} بعضهم : هي صلة ما تقدم من أسئلتهم ، وهو قوله : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } { أو تكون لك الجنة من نخيل وعنب } { أو يكون لك بيت من زخرف }( الإسراء : 90-91-93 )وقوله : { الو تكون له جنة يأكل منها } ( الفرقان : 8 ) كانوا يسألون هذه الأشياء على التعنت والعناد والاستهزاء . فأخبر أنه ، وإن أعطاهم ما سألوا . لا ( ينفقوا بل يمسكوا ){[11274]}عن الإنفاق .

ومن سنته أنه ، أعطاهم ما سألوا على السؤال ، فتركوا الإيمان به والوفاء ، أهلكهم{[11275]} .

فأخبر أنهم يسألون سؤال تَعَنُّتٍِ لا سؤال ما يتوسعون به .

في الآية إثبات الرسالة ، وهو ما بين عن بخلهم وإمساكهم عن الإنفاق .

وقال بعضهم : قوله : { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق } في قوم خاص ، علم الله أنهم لو أعطوا ما سألوا لفعلوا ما ذكر ، لا في كل منهم . وهو كقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } ( البقرة : 6 ) في قوم ، علم الله أنهم لا يؤمنون . فعلى ذلك الأول .

ويحتمل أن تكون الآية في قوم ضمنوا الله الإنفاق والتوسيع ، وعاهدوا الله على ذلك : إن وَسَّعَ عليهم ، فأخبر أنهم لا يفعلون ما عاهدوه ، وضَمَّنُوا ، كقوله : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } الآية ( النوبة : 75 ) .

ويحتمل أن يكون هذا إخبارا منه عن طبع الخلق وعاداتهم ؛ وذلك أنهم لما استكثروا من الأموال ، وجمعوا ، يزداد لهم بذلك حرص على جمعها وبخل على التوسيع والإنفاق لما لم يكن قبل الجمع والاستكثار هذا المعروف في الناس .

فأخبر أنهم يمسكون عن الإنفاق والتوسيع ، إذا ملكوا ما ذكر عن طبع الإنسان بالبخل والتضييق عند الاستكثار ما لم يكن قبل ذلك .

وقوله تعالى : { وكان الإنسان فتورا } يحتمل أن يكون هذا صفة كل كافر ، وكذلك قوله : { إن الإنسان خلق هلوعا } { إذا مسه الشر جزوعا } { وإن مسه الخير منوعا } ( المعارج : 19و20و21 ) تكون عادته{[11276]} البخل والجزع عن المصائب .

وجائز أن يكون هذا صفة كل إنسان في الابتداء ؛ هكذا يكون ، ثم بالامتحان والتجربة يصيرون أسخياء صابرين . أو يكون يخبرهم أنهم لو ملكوا ، وأعطوا جميع ما يرزقون في عمرهم على التفاريق بدفعة واحدة مجموعا لأمسكوا عن الإنفاق خشية الفقر في آخر عمرهم ؛ إذ لا يعلمون ما ينتهون من آجالهم ، فيحملهم ذلك على البخل والإمساك .

أو يذكر لما أنه جبلهم ، وأنشأهم على الإمساك والمنع في الابتداء ، وإن كان لم يكن لهم حاجة إلى ذلك ؛ ( ألا ){[11277]} ترى الصبيان والصغار من الأولاد يمنعون ما في أيديهم عن غيرهم . وإن لم يكن لهم حاجة إلى ذلك ؟

هذا معروف فيهم ، وإنما جبلهم ، وأنشأهم هكذا ليمتحنهم بالجود والتوسيع والبخل والتضييق ، وإلا كانوا في الأصل خلقتهم وابتداء نشأتهم{[11278]} على ما ذكرنا أشحة بخلاء ، وهو ما أخبر{ إن الإنسان خلق هلوعا } { إذا مسه الشر جزوعا } { وإذا مسه الخير منوعا } ( المعارج /19و20و21 ) { وكان الإنسان عجولا }( الإسراء : 11 ) أنشأهم { جزوعا } عند الألم والمصائب غير صابرين عليها ، وكذلك أنشأهم{ عجولا } لا يصبرون على أمر واحد ولا حال واحد ، ثم امتحنهم على الصبر وترك الجزع والعجلة .

فعلى ذلك قوله : { وكان الإنسان فتورا } أي طمعا بخيلا ممسكا مضيقا ، و الله أعلم ، ثم ترك ذلك ( بالامتحان واعتياد خلافه ){[11279]} .


[11273]:في الأصل و.م. وقال.
[11274]:في الأصل و.م: ينفقون بل يمسكون.
[11275]:في الأصل و.م: إنهم يهلكون.
[11276]:في الأصل و.م: عادتهم.
[11277]:ساقطة من الأصل و.م.
[11278]:في الأصل و.م: أنشا ؤ ا.
[11279]:في الأصل و.م : واعتياد ذلك وخلافه.