معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

قوله تعالى : { ويقولون طاعة } يعني : المنافقين ، يقولون باللسان للرسول صلى الله عليه وسلم : إنا آمنا بك فمرنا ، فأمرك طاعة ، قال النحويون : أي أمرنا وشأننا أن نطيعك .

قوله تعالى : { فإذا برزوا } خرجوا .

قوله تعالى : { من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول } ، قال قتادة والكلبي : بيت أي : غير وبدل الذي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون التبييت بمعنى التبديل ، وقال أبو عبيدة والقتيبي : معناه : قالوا وقدروا ليلاً غير ما أعطوك نهاراً ، وكل ما قدر بليل فهو مبيت ، وقال أبو الحسن الأخفش : تقول العرب للشيء إذا قدر بيت ، يشبهونه بتقدير بيوت الشعر .

قوله تعالى : { والله يكتب } أي : يثبت ويحفظ .

قوله تعالى : { ما يبيتون } ما يزورون ، ويغيرون ، ويقدرون . وقال الضحاك عن ابن عباس : يعني ما يسرون من النفاق .

قوله تعالى : { فأعرض عنهم } ، يا محمد ولا تعاقبهم ، وقيل : لا تخبر بأسمائهم ، منع الرسول صلى الله عليه وسلم من الإخبار بأسماء المنافقين .

قوله تعالى : { وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً } ، أي : اتخذوه وكيلاً وكفى بالله وكيلاً وناصراً .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

وقوله تعالى : { ويقولون طاعة } الآية نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين ، المعنى يقولون لك يا محمد : أمرنا طاعة ، فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلاً وقالوا غير ما أظهروا لك . و { بيَّت } معناه فعل ليلاً ، فإما أخذ من بات ، وإما من البيت لأنه ملتزم بالليل وفي الأسرار التي يخاف شياعها ، ومن ذلك قول الشاعر [ الأسود بن يعفر ] : [ المتقارب ]

أتوني فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا . . . وَكَانُوا أَتوني بِأَمْرٍ نكرْ{[4162]}

ومنه قول النمر بن تولب :

هبَّتْ لتعذلني بليل اسمعي *** سفهاً تبيتك للملامةِ فاهجعي{[4163]}

المعنى وتقول لي : اسمع ، وزيدت الياء إشباعاً لتصريع القافية واتباعاً للياء ، كقول امرىء القيس :

ألا أيُّها الليلُ الطويلُ أَلاَ انْجَلي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4164]}

وقوله بأمثل ، وقرأ جمهور القراء { بيت } بتحريك التاء ، وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغامها في الطاء ، وقرأ ابن مسعود «بيت مبيت منهم يا محمد » وقوله : { تقول } يحتمل أن يكون معناه تقول أنت يا محمد ، ويحتمل ، تقول هي لك ، و { يكتب } معناه على وجهين ، إما يكتبه عنده حسب كتب الحفظة حتى يقع الجزاء ، وإما يكتبه في كتابه إليك ، أي ينزله في القرآن ويعلم بها ، قال هذا القول الزجّاج ، والأمر بالإعراض إنما هو عن معاقبتهم ومجازاتهم ، وأما استمرار دعوتهم وعظتهم فلازم ، قال الضحاك : معنى { أعرض عنهم } لا تخبر بأسمائهم ، وهذا أيضاً قبل نزول القتال على ما تقدم . ثم أمر الله تعالى بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر ، و «الوكيل » القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها ، وليس ما غلب الاستعمال في الوكيل في عصرنا بأصل في كلام العرب ، وهي لفظة رفيعة وضعها الاستعمال العامي ، كالعريف والنقيب وغيره .


[4162]:- البيت للأسود بن يغفر، وبعده كما في اللسان: لأنكح أيمهم منذرا وهل ينكح العبد حر لحر؟ والنكر هو المنكر، ومنه قوله تعالى: {لقد جئت شيئا نكرا}، وقد تحرك الكاف كما في البيت، وابن عطية يستشهد بالبيت على أن معنى (بيت) هو: "فعل ليلا"، سواء أكان من الفعل (بات) أو من (البيت) لأنه ملتزم بالليل- لكن القرطبي استشهد به على أن معنى [بيّت] هو: غيّر وبدّل، واتبعه ببيت آخر يتضح فيه معنى التغير أكثر، وهو قول الشاعر: بيّت قولي عبد المليـ ـك قاتله الله عبدا كفورا. ورواه في "البحر المحيط": وتبييت قولي عند المليـ ـك قاتلك الله عبدا كفورا
[4163]:- العذل: الملامة كالتعذيل، والاسم: العذل محركة، وبيّت الأمر: عمله ليلا كما في الآية الكريمة هنا، وكما في قوله تعالى: {إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} والهجوع بالضم: النوم ليلا.
[4164]:- البيت كاملا هو: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح، وما الإصباح منك بأمثل. وإلى كلمة (أمثل) هذه يشير ابن عطية في قوله بعد البيت مباشرة: "وقوله: بأمثل" وقد زيدت الياء في (انجلي) ليستقيم الوزن، عن الفراء: العرب تفعل ذلك كثيرا.