إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

{ وَيَقُولُونَ } شروعٌ في بيان معاملتِهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بيانِ وجوبِ طاعتِه ، أي يقولون إذا أمرتَهم بشيء { طَاعَةٌ } أي أمرُنا وشأنُنا طاعةٌ أو منا طاعةٌ ، والأصلُ النصبُ على المصدر ، والرفعُ للدِلالة على الثبات كسلام { فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ } أي خرجوا من مجلسك { بَيَّتَ طَائِفَةٌ منْهُمْ } أي من القائلين المذكورين وهم رؤساؤُهم { غَيْرَ الذي تَقُولُ } أي زوَّرتْ طائفةٌ منهم وسوَّتْ خلافَ ما قالت لك من القَبول وضمانِ الطاعةِ ، لأنهم مُصِرُّون على الرد والعصيانِ ، وإنما يُظهرون ما يُظهرون على وجه النفاقِ ، أو خلافَ ما قلتَ لها ، والتبييتُ إما من البيتوته لأنه قضاءُ الأمرِ وتدبيرُه بالليل ، يقال : هذا أمرٌ بُيِّت بليل ، وإما من بيت الشِّعر لأن الشاعر يُدبِّره ويسوِّيه ، وتذكيرُ الفعلِ لأن تأنيثَ الطائفةِ غيرُ حقيقيَ ، وقرئ بإدغام التاء في الطاء لقُرب المخرَجِ ، وإسنادُه إلى طائفة منهم لبيان أنهم المتصدّون له بالذات والباقون أتباعٌ لهم في ذلك لا لأن الباقين ثابتون على الطاعة . { والله يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ } أي يكتُبه في جملة ما يوحى إليك فيُطلعُك على أسرارهم فلا يحسَبوا أن مكرَهم يخفى عليكم فيجدون بذلك إلى الإضرار بكم سبيلاً ، أو يُثبتُه في صحائفهم فيجازيهم عليه ، وأياً ما كان فالجملةُ اعتراضيةٌ { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي لا تُبالِ بهم وبما صنعوا ، أو تَجافَ عنهم ولا تتصدَّ للانتقام منهم ، والفاءُ لسببية ما قبلها لما بعدها . { وَتَوَكَّلْ عَلَى الله } في كل ما تأتي وما تذر لاسيما في شأنهم ، وإظهارُ الجلالةِ في مقام الإضمارِ للإشعار بعلة الحُكمِ { وكفي بالله وَكِيلاً } فيكفيك مَرَّتَهم وينتقم لك منهم ، والإظهارُ هاهنا أيضاً لما مر وللتنبيه على استقلال الجملةِ واستغنائِها عما عداها من كل وجه .