البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

التبييت قال الأصمعي وأبو عبيدة وأبو العباس : كل أمر قضي بليل ، قيل : قد بيت .

وقال الزجاج : كل أمر مكر فيه أو خيض بليل فقد بيت .

وقال الشاعر :

أتوني فلم أرض ما بيتوا *** وكانوا أتوني بأمر نكر

وقال الأخفش : العرب تقول للشيء إذا قدر : بيت .

وقال أبو رزين : بيت ألف .

وقيل : هيىء وزور .

وقيل : قصد ، ومنه قول الشاعر :

لما تبيتنا أخا تميم *** أعطى عطاء اللحز اللئيم

أي : قصدنا .

وقيل : التبييت التبديل بلغة طيىء ، قال شاعرهم :

وتبييت قولي عند المليك*** قاتلك الله عبداً كفوراً

{ ويقولون طاعة } نزلت في المنافقين باتفاق .

أي : أمرتهم بشيء قالوا طاعة ، أي : أمرنا طاعة ، أو منا طاعة .

قال الزمخشري : ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة ، وهذا من قول المرتسم سمعاً وطاعة ، وسمع وطاعة ، ونحوه قول سيبويه .

وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له : كيف أصبحت ؟ فيقول : حمداً لله وثناء عليه ، كأنه قال : أمري وشأني حمد الله .

ولو نصب حمد الله وثناء عليه كان على الفعل ، والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها انتهى .

ولا حاجة لذكر ما لم يقرأ به ولا لتوجيهه ولا لتنظيره بغيره ، خصوصاً في كتابه الذي وضعه على الاختصار لا على التطويل .

{ فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول } أي إذا خرجوا من عندك رووا وسووا أي : طائفة منهم غير الذي تقوله لك يا محمد من إظهار الطاعة ، وهم في الباطن كاذبون عاصون ، فعلى هذا الضمير في تقول عائد على الطائفة ، وهو قول ابن عباس .

وقيل : يعود على الرسول أي : غير الذي تقوله وترسم به يا محمد ، وهو الخلاف والعصيان المشتمل عليه بواطنهم .

ويؤيد هذا التأويل قراءة عبد الله بيت مبيت منهم يا محمد .

وقرأ يحيى بن يعمر يقول : بالياء ، فيحتمل أن يكون الضمير للرسول ، ويكون التفاتاً إذ خرج من ضمير الخطاب في من عندك ، إلى ضمير الغيبة .

ويحتمل أن يعود على الطائفة ، لأنها في معنى القوم أو الفريق ، وخص طائفته بالتبيين لأنه لم يكونوا ليجتمعوا كلهم في دار واحدة ، أو لأنه إخبار عن من علم الله أنه يبقى على كفره ونفاقه .

وأدغم حمزة وأبو عمرو بيت طائفة ، وأظهر الباقون .

{ والله يكتب ما يبيتون } أي : يكتبه في صحائف أعمالهم حسبما تكتبه الحفظة ليجازوا به .

وقال الزجاج : يكتبه في كتابه إليك ، أي : ينزله في القرآن ويعلم به ويطلع على سرهم .

وقيل : يكتب يعلم عبر بالكتابة عن العلم ، لأنه من ثمراتها .

{ فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً } هذا مؤكد لقوله : { ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً } أي لا تحدث نفسك بالانتقام منهم .

وليس المعنى فاعرض عن دعوتهم إلى الإيمان وعن وعظهم .

وقال الضحاك : معنى أعرض عنهم لا تخبر بأسمائهم فيجاهروك بالعداوة بعد المجاملة في القول ، ثم أمره بإدامة التوكل عليه ، هو ينتقم لك منهم ، وهذا أيضاً قبل نزول القتال .

/خ86