معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞يَوۡمَ يَجۡمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبۡتُمۡۖ قَالُواْ لَا عِلۡمَ لَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (109)

قوله تعالى : { يوم يجمع الله الرسل } ، وهو يوم القيامة .

قوله تعالى : { فيقول } لهم .

قوله تعالى : { ماذا أجبتم } ، أي : ماذا أجابتكم أمتكم ؟ وما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم إلى توحيدي وطاعتي ؟

قوله تعالى : { قالوا } ، أي فيقولون .

قوله تعالى : { لا علم لنا } ، قال ابن عباس معناه : لا علم لنا إلا العلم الذي أنت أعلم به منا ، وقيل : لا علم لنا بوجه الحكمة عن سؤالك إيانا عن أمر أنت أعلم به منا ، وقال ابن جريح : لا علم لنا بعاقبة أمرهم .

قوله تعالى : { إنك أنت علام الغيوب } ، أي : أنت الذي تعلم ما غاب ، ونحن لا نعلم إلا ما نشاهد .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم ، أنا وهيب ، أنا عبد العزيز ، عن أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ) . وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والسدي : إن للقيامة أهوالاً وزلازل تزول فيها القلوب عن مواضعها ، فيفزعون من هول ذلك اليوم ويذهلون عن الجواب ، ثم بعدما ثابت إليهم عقولهم ، يشهدون على أممهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَوۡمَ يَجۡمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبۡتُمۡۖ قَالُواْ لَا عِلۡمَ لَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (109)

وقوله تعالى : { ويوم يجمع الله الرسل } ذهب قوم من المفسرين إلى أن العامل في { يوم } ما تقدم من قوله { لا يهدي } ، وذلك ضعيف ، ورصف الآية وبراعتها ، إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفاً ، والعامل مقدر إما اذكروا وإما تذكروا وإما احذروا ونحو هذا مما حسن اختصاره لعلم السامع ، والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة ، وخص الرسل بالذكر لأنهم قادة الخلق ، وفي ضمن جمعهم جمع الخلائق وهم المكلمون أولاً و { ماذا أجبتم } معناه ماذا أجابت به الأمم من إيمان أو كفر وطاعة أو عصيان ، وهذا السؤال للأنبياء الرسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم ويبتدأ حسابهم على الواضح المستبين لكل مفطور . واختلف الناس في معنى قولهم عليهم السلام { لا علم لنا } فقال الطبري ذهلوا عن الجواب لهول المطلع ، وذكر عن الحسن أنه قال : لا علم لنا من هول ذلك اليوم . وعن السدي أنه قال : نزلوا منزلاً ذهلت فيه العقول فقالوا لا علم لنا . ثم نزلوا منزلاً آخر شهدوا على قومهم ، وعن مجاهد أنه قال : يفزعون فيقولون لا علم لنا .

قال القاضي أبو محمد : وضعّف بعض الناس هذا المنزع بقوله تعالى : { لا يحزنهم الفزع الأكبر }{[4788]} والأنبياء في أشد أهوال يوم القيامة وحالة جواز الصراط يقولون سلم سلم وحالهم أعظم وفضل الله عليهم أكثر من أن تذهل عقولهم حتى يقولوا ما ليس بحق في نفسه ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : معنى الآية لا علم لنا إلا علماً أنت أعلم به منا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا حسن ، كأن المعنى لا علم لنا يكفي وينتهي إلى الغاية ، وقال ابن جريج : معنى ماذا أجبتم ؟ ماذا عملوا بعدكم وما أحدثوا ؟ فلذلك قالوا لا علم لنا .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى حسن في نفسه ، ويؤيده قوله تعالى : { إنك أنت علام الغيوب } لكن لفظة { أجبتم } لا تساعد قول ابن جريج إلا على كره ، وقول ابن عباس أصوب هذه المناحي لأنه يتخرج على التسليم لله تعالى ورد الأمر إليه ، إذ قوله { ماذا أجبتم } لا علم عندهم في جوابه إلا بما شوفهوا به مدة حياتهم ، وينقصهم ما في قلوب المشافهين من نفاق ونحوه ، وما ينقصهم ما كان بعدهم من أمتهم والله تعالى يعلم جميع ذلك على التفصيل والكمال . فرأوا التسليم له والخضوع لعلمه المحيط وقرأ أبو حيوة «ماذا أَجبتم » بفتح الهمزة .


[4788]:- من الآية (103) من سورة (الأنبياء).