غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞يَوۡمَ يَجۡمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبۡتُمۡۖ قَالُواْ لَا عِلۡمَ لَنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (109)

101

ثم إنه سبحانه ختم الأحكام بوصف أحوال القيامة وذكر بعض ما سيجري هناك من الخطاب والعتاب جرياً على عادته في هذا الكتاب من خلط التكاليف بالإلهيات والنبوّات وأحوال المعاد فقال { يوم يجمع الله الرسل } قال الزجاج : تقديره واتقوا الله يوم كذا لا على أنه ظرف لأنهم غير مأمورين بالتقوى في ذلك اليوم ولكن على أنه بدل اشتمال من اسم الله ، ويجوز أن يكون ظرفاً لقوله { لا يهدي } أي لا يهديهم طريق الجنة يومئذٍ ، أو منصوباً بإضمار «اذكر » ، أو ظرفاً لما يجيء بعده وهو { قالوا } وعلى هذين الوجهين تكون الآية منقطعة عما قبلها . و«ماذا » منصوب ب «أجبتم » ولكن انتصاب المصدر على معنى أيّ إجابة أجبتم ، ولو أريد الجواب لقيل : بماذا أجبتم . وفائدة السؤال توبيخ قومهم كما كان سؤال الموؤدة توبيخاً للوائد . ثم ظاهر قوله { لا علم لنا } يدل على أن الأنبياء لا يشهدون لأممهم ، فالجمع بين هذا وبين قوله

{ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } [ النساء : 41 ] الآية مشكل . فقال جمع من المفسرين : إن القيامة زلازل وأهوالاً تزيل العقول ؛ فالأنبياء عندها ينسون أكثر الأمور فهنالك يقولون : لا علم لنا ، فإذا عادت إليهم عقولهم شهدوا للأمم .

ولا يرد عليه قوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 31 ] { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [ يونس :62 ] لأن مواقف القيامة مختلفة ، ولأن عدم الخوف من العاقبة لا ينافي الحيرة والدهشة أوّلاً . وقال آخرون المراد منه المبالغة في توبيخ الكفرة فإن ذلك هو المقصود من السؤال كما يقول الواحد لغيره : ما تقول في فلان ؟ فيقول : أنت أعلم به مني فكأنك قلت : لا يحتاج فيه إلى شهادة لظهوره . وفيه مع التوبيخ إظهار لتشكي الأنبياء ممن كذبوهم وعادوهم . وقال ابن عباس : نفوا العلم عن أنفسهم عند علام الغيوب ليعلم أن علمهم هناك كلا علم . وقيل : المراد نفي العلم بخاتمة أحوالهم وما كان منهم بعد وفاتهم وإنما الأمور بخواتيمها . وقال في التفسير الكبير : إن الذي عرفوه منهم في الدنيا كان مبنياً على ظاهر أحوالهم كما قال : نحن نحكم بالظاهر وكان ظناً غالباً والأحكام في الآخرة مبنية على حقائق الأمور وبواطنها فلهذا نفوا العلم فإن الظن لا عبرة به في القيامة من أن السكوت وتفويض الأمر إلى الأعلم الأعدل أقرب إلى الأدب .

وقرئ { علام الغيوب } بالنصب على أن الكلام قد تم عند قوله { أنت } أي أنت الموصوف بالجلال والكبرياء ، ثم نصب { علام الغيوب } على الاختصاص أو على النداء .

/خ120