قوله تعالى : { قل أي شيء أكبر شهادة } ؟ الآية ، قال الكلبي : أتى أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أرنا من يشهد أنك رسول الله ، فإنا لا نرى أحداً يصدقك ، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس عندهم ذكر ، فأنزل الله تعالى : { قل أي شيء أكبر } ، أعظم ، { شهادة } فإن أجابوك ، وإلا .
قوله تعالى : { قل الله شهيد بيني وبينكم } ، على ما أقول ، ويشهد لي بالحق ، وعليكم بالباطل .
قوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به } ، لأخوفكم به يا أهل مكة .
قوله تعالى : { ومن بلغ } ، ومن بلغه القرآن من العجم وغيرهم من الأمم إلى يوم القيامة .
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن الحنفي ، أنا محمد بن بشر بن محمد المزني ، أنا أبو بكر محمد بن الحسن بن بشر النقاش ، أنا أبو شعيب الحراني ، أنا يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلي ، أنا الأوزاعي ، حدثني حسان بن عطية ، عن أبي كبشة السلولي ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) .
أخبرنا أبو الحسن عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع ، أنا الشافعي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ، ووعاها ، وأداها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا : إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم .
قال مقاتل : من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له ، وقال محمد بن كعب القرظي : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلم وسمع منه .
قوله تعالى : { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } . ولم يقل آخر ، لأن الجمع يلحقه التأنيث كقوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } [ الأعراف :180 ] ، وقال : { فما بال القرون الأولى } . [ طه :51 ]
قوله تعالى : { قل } ، يا محمد إن شهدتم أنتم .
قوله تعالى : { لا أشهد } . أنا أن معه إلهاً .
قوله تعالى : { قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون } .
{ أي } استفهام ، وهي معربة مع إبهامها ، وإنما كان ذلك لأنها تلتزم الإضافة ولأنها تتضمن علم جزء من المستفهم عنه غير معين ، لأنك إذا قلت أي الرجلين جاءنا فقد كنت تعلم أن أحدهما جاء غير معين فأخرجها هذان الوجهان عن غمرة الإبهام فأعربت ، وتتضمن هذه الآية أن الله عز وجل يقال عليه { شيء } كما يقال عليه موجود ، ولكن ليس كمثله تبارك وتعالى شيء{[4850]} ، و { شهادة } نصب على التمييز ويصح على المفعول بأن يحمل { أكبر } على التشبيه بالصفة المشبهة باسم الفاعل وهذه الآية مثل قوله تعالى { قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله }{[4851]} في أن استفهم على جهة التوقيف والتقدير ، ثم بادر إلى الجواب إذ لا تتصور فيه مدافعة ، وهذا كما تقول لمن تخاصمه وتتظلم منه من أقدر من في البلد ؟ ثم تبادر وتقول :السلطان فهو يحول بيننا ، ونحو هذا من الأمثلة{[4852]} ، فتقدير الآية أنه قال لهم أي شيء أكبر شهادة ؟ الله أكبر شهادة ، فهو شهيد بيني وبينكم ، ف { الله } رفع بالابتداء وخبره مضمر يدل عليه ظاهر الكلام كما قدرناه ، و { شهيد } خبر ابتداء مضمر{[4853]} .
وقال مجاهد المعنى : أن الله تعالى قال لنبيه عليه السلام : قل لهم : أي شيء أكبر شهادة ؟ وقل لهم : الله شهيد بيني وبينكم لما عيوا عن الجواب ، ف { شهيد } على هذا التأويل خبر لله وليس في هذا التأويل مبادرة من السائل إلى الجواب المراد بقوله : { شهيد ، بيني وبينكم } أي في تبليغي . وقرأت فرقة : «وأوحى إليّ هذا القرآن » على الفعل الماضي ونصب القرآن وفي «أوحى » ضمير عائد على الله تعالى من قوله { قل الله } ، وقرأت فرقة «وأوحي » على بناء الفعل للمفعول «القرآن » رفعاً ، { لأنذركم } معناه لأخوفكم به العقاب والآخرة ، { ومن } عطف على الكاف والميم في قوله : { لأنذركم } و { بلغ } معناه على قول الجمهور بلاغ القرآن ، أي لأنذركم وأنذر من بلغه ، ففي بلغ ضمير محذوف لأنه في صلة من ، فحذف لطول الكلام ، وقالت فرقة ومن بلغ الحكم ، ففي { بلغ } على هذا التأويل ضمير مقدر راجع إلى { من } ، وروي في معنى التأويل الأول أحاديث ، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يا أيها الناس بلغوا عني ولو آية ، فإنه من بلغ آية من كتاب الله تعالى فقد بلغه أمر الله تعالى أخذه أو تركه »{[4854]} ، ونحو هذا من الأحاديث كقوله «من بلغه هذا القرآن فأنا نذيره »{[4855]} وقرأت فرقة «آينكم » بزيادة ألف بين الهمزة الأولى والثانية المسهلة عاملة بعد التسهيل المعاملة قبل التسهيل{[4856]} ، وقرأت فرقة «أينكم » بهمزتين الثانية مسهلة دون ألف بينهما ، وقرأت فرقة «أإنكم » استثقلت اجتماع الهمزتين فزادت ألفاً بين الهمزتين{[4857]} ، وقرأت فرقة «أنكم » بالإيجاب دون تقدير وهذه الآية مقصدها التوبيخ وتسفيه الرأي .
و { أخرى } صفة [ لآلهة ] ، وصفة جمع ما لا يعقل تجري في الإفراد مجرى الواحدة المؤنثة كقوله { مآرب أخرى }{[4858]} وكذلك مخاطبته جمع ما لا يعقل كقوله : { يا جبال أوبي معه }{[4859]} ونحو هذا ، ولما كانت هذه الآلهة حجارة وعيداناً أجريت هذا المجرى ثم أمره الله تعالى أن يعلن بالتبري من شهادتهم ، والإعلان بالتوحيد لله عز وجل والتبري من إشراكهم ، { وإنني } إيجاب ألحقت فيه النون التي تلحق الفعل لتبقى حركته عند اتصال الضمير به في قوله ضربني ونحوه ، وظاهر الآية أنها في عبدة الأصنام وذكر الطبري أنه قد ورد من وجه لم يثبت صحته أنها نزلت في قوم من اليهود ، وأسند إلى ابن عباس قال : جاء النحام بن زيد وفردم بن كعب وبحري بن عمرو ، فقالوا : يا محمد ما تعلم مع الله إلهاً غيره ؟ فقال لهم : لا إله إلا الله بذلك أمرت ، فنزلت الآية فيهم .