تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

الآية 19 وقوله تعالى : { قل أي شيء أكبر شهادة } كأن في الآية إضمارا{[6956]} ، والله أعلم ، أن قل يا محمد { قل أي شيء أكبر شهادة } فيقولون { الله } لأنهم كانوا يقرون أنه خالق السماوات والأرض وأنه أعظم من كل شيء ، لكنهم يشركون غيره في عبادته ، ويقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] وإلا كانوا يقرون بالعظمة والجلال . فإذا سألوا { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله } فإنك إذا قلت لهم ذلك يقولون هم أيضا .

وقوله تعالى : { قل الله شهيد بيني وبينكم } في كل الاختلاف بيننا وبينكم في التوحيد والبعث بعد الموت ونحوه . ويحتمل : { قل الله شهيد بيني وبينكم } في كل حجة وبرهان أتاها الرسول إليهم{[6957]} .

وفي قوله : { قل أي شيء } دلالة أنه يقال له شيء لأنه لو لم يجز أن يقال له شيء لم يستثن الشيء منه ، وكذلك في قوله : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] أنه شيء لأنه{[6958]} لا شيء في الشاهد . إنما يقال : إما للنفي وإما للتصغير ، فلا يجوز في الغائب النفي ولا التصغير ، دل أنه إنما يراد بالشيء الإثبات ، لا غير ، وبالله العصمة .

ذكر في بعض القصة في قوله : { قل أي شيء أكبر شهادة } أن رؤساء مكة أتوا رسول الله ، فقالوا : يا محمد أما وجد الله رسولا يرسله غيرك ؟ ما ترى أحدا يصدقك بما تقول . وقد سألنا عنك اليهود والنصارى ، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ولا مبعث ، فأرنا من شهد لك أنك رسول الله ؟ فقال الله سبحانه وتعالى : يا محمد قل لهم { قل أي شيء أكبر شهادة } يقول : أعظم شهادة ؛ يعني البرهان : محمد حجة وبرهان ، وكل نبي حجة وبرهان . فإن أجابوك ، فقالوا : الله ، وإلا فقل لهم : الله أكبر شهادة من خلقه . أني رسوله ، والله { شهيد بيني وبينكم } في كل اختلاف بيننا وبينكم : في التوحيد وإثبات الرسالة والبعث وكل شيء .

وذكر في هذه القصة أنهم لما قالوا : من يشهد أن الله أرسلك رسولا ؟ قالوا : فهلا{[6959]} أنزل إليك ملك ؟ فقال لنبيه : قل لهم { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ، ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإني بريء مما تشركون } فقالوا : الله أكبر شهادة من غيره ، فقال الله : قل يا محمد : { والله شهيد بيني وبينكم } أني رسول الله وأنه أوحي { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } القرآن من الجن والإنس فهو نذير له . قال لهم : { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } قالوا : نعم نشهد . فقال الله لنبيه قل لهم : { لا أشهد } بما شهدتم ، ولكن أشهد أنما { هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون } .

وقوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } كأنه قال : أوحي إلي هذا القرآن الذي يعرفونه أنه من عند الله جاء لأنه قال لهم : { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة : 23 ويونس : 38 ] فعجزوا عن إتيان مثله ، فدل عجزهم عن إتيان مثله أنهم عرفوا أنه جاء من عند الله .

وقوله تعالى : { ومن بلغ } كأنه قال : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به } ومن{[6960]} بلغ القرآن صار رسول الله نذيرا ببلوغ القرآن لمن بلغه . فإذا صار نذيرا به لمن بلغه ، وإن كان هو في أقصى الدنيا ، يصير هو نذيرا في أقصى الزمان في كل زمان . وهو ، والله أعلم ، كقوله تعالى : { ولكل قوم هاد } [ الرعد : 7 ] ورسول الله هاد لقومه إلى يوم القيامة .

وفي الآية دلالة أن البشارة والنذارة تكونان ببعث آخر يبشر ، أو ينذر . وهو دليل لقول أصحابنا : إن من حلف : أي عبد من عبيدي ، بشرني بكذا ، فهو حر ، فبشره برسول بكتاب فيكون بشارة .

وقوله تعالى : { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } هذا في الظاهر استفهام ، ولكنه في الحقيقة إيجاب أنكم تشهدون أن مع الله آلهة أخرى بعد ما ظهر عندكم آيات وحدانيته{[6961]} وحجج ربوبيته{[6962]} لما عرفتم أنه خالقكم وخالق السماوات والأرض ؛ به تعيشون ، وتحيون ، وبه تموتون بعدما{[6963]} ظهر لكم هذا أشركتم مع الله آلهة أخرى . وليس ذلك لكم مما تشركون في عبادته وألوهيته ، وأنا { لا أشهد } وإنما أشهد أنه { إله واحد وإنني بريء مما تشركون } .


[6956]:- في الأصل وم: إضمار.
[6957]:- في الأصل وم: بهم.
[6958]:- في الأصل وم: لن.
[6959]:- في الأصل وم: فهل لا.
[6960]:- في الأصل وم: وأنذر من.
[6961]:- في الأصل وم: وحدانية.
[6962]:- في الأصل وم: ربوبية.
[6963]:- في الأصل و م: عما.