فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

قوله : { قُلْ أَيُّ شَيء أَكْبَرُ شهادة } أيّ مبتدأ ، وأكبر خبره ، وشهادة تمييز ، والشيء يطلق على القديم والحادث ، والمحال والممكن . والمعنى : أيّ شهيد أكبر شهادة ، فوضع شيء موضع شهيد . وقيل : إن { شَيء } هنا موضوع موضع اسم الله . والمعنى : الله أكبر شهادة ، أي انفراده بالربوبية ، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة ، وأعظم فهو شهيد بيني وبينكم . وقيل : إن قوله : { الله شَهِيد بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } هو الجواب ، لأنه إذا كان الشهيد بينه وبينهم كان أكبر شهادة له صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنه قد تمّ الجواب عند قوله : { قُلِ الله } يعني الله أكبر شهادة ، ثم ابتدأ فقال : { شَهِيد بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي شهيد بيني وبينكم .

قوله : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا القرآن لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغ } أي أوحى الله إليّ هذا القرآن الذي تلوته عليكم ؛ لأجل أن أنذركم به ، وأنذر به من بلغ إليه ، أي كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة ، وفي هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد ، كشمولها لمن قد كان موجوداً وقت النزول ، ما لا يحتاج معه إلى تلك الخزعبلات المذكورة في علم أصول الفقه ، وقرأ أبو نهيك «وَأُوحِيَ » على البناء للفاعل ، وقرأ ابن عداة على البناء للمفعول . قوله : { أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ الله آلِهَةً أخرى } الاستفهام للتوبيخ والتقريع على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل أو بقلب الثانية ، وأما من قرأ على الخبر فقد حقّق عليهم شركهم ، وإنما قال : { آلِهَةً أخرى } لأن الآلهة جمع ، والجمع يقع عليه التأنيث ، كذا قال الفراء ، ومثله قوله تعالى : { وَللَّهِ الأسماء الحسنى } وقال : { فَمَا بَالُ القرون الأولى } ، { قُل لاَ أَشْهَدُ } أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه ، وذلك لكون هذه الشهادة باطلة ، ومثله : { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } و ما في { ممَّا تُشْرِكُونَ } موصولة أو مصدرية ، أي من الأصنام التي تجعلونها آلهة ، أو من إشراككم بالله .

/خ21