غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

12

قال الكلبي : إن رؤساء مكة قالوا : يا محمد ما نرى أحداً يصدقك بما تقول من أمر الرسالة . ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أن ليس لك عندهم ذكر ولا صفة فأرنا من يشهد لك أنك رسول كما تزعم فنزلت { قل أي شيء أكبر شهادة } الآية . قال العلماء : إنها دلت على أن أكبر الشهادات وأعظمها شهادة الله . ثم بيَّن أن شهادة الله حاصلة إلا أنها لم تدل على أن تلك الشهادة لإثبات أيّ المطالب فقيل : إنها لإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لما ذكرنا من سبب النزول . والمعنى قل يا محمد أي شيء أكبر شهادة حتى يعترفوا بأن أكبر الأشياء شهادة هو الله تعالى ، فإذا اعترفوا بذلك فقل إن الله شهد لي بالنبوة بأن أظهر على وفق دعواي معجزاً هو القرآن الذي عجزتم معاشر الفصحاء والبلغاء عن معارضته . وقيل : إن حصول هذه الشهادة في وحدانية الله تعالى وذلك أن الوحدانية ليست مما يتوقف صحته على صحة السمع فلا يمتنع إثباتها بالسمع والمعنى { قل الله شهيد بيني وبينكم } في إثبات الوحدانية والبراءة عن الأضداد والأنداد والأمثال والأشباه { وأوحى إليَّ هذا القرآن لأنذركم به } وأبلغكم أن الدين هو التوحيد والشرك مردود . واستدل الجمهور بالآية على أنه يصح إطلاق الشيء على الله تعالى وخالف جهم محتجاً بقوله تعالى { الله خالق كل شيء } [ الأنعام : 102 ] إذ لا يمكن دعوى التخصيص فيه ، فإن التخصيص إنما يجوز في صورة شاذة لا يلتفت إليها لقلة اعتبارها فيطلق لفظ الكل على الأكثر تنبيهاً على أن البقية جارية مجرى العدم . فلو كان الباري تعالى شيئاً لكان أعظم الأشياء وأشرفها فيكون إخراجه من هذا العموم محض الكذب . وأيضاً احتج بأن الشيء يطلق على المعدوم لقوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 ] والشيء الذي سيفعله غداً معدوم في الحال ، فالشيء لا يفيد صفة مدح فلا يطلق عليه . والجواب عن الأول أن إخراج الأكثر من العموم جائز عندنا . ولو سلم فإنه تعالى واحد من الأشياء ، والمخرج بهذا الاعتبار أقل عدداً من الباقي . وعن الثاني أن لفظ الشيء أعم الألفاظ ، ومتى صدق الخاص كالذات ، والحقيقة صدق العلم بالضرورة . قال جهم { قل الله شهيد } جملة مستقلة بنفسها لا تعلق لها بما قبلها فلا يصح استدلالكم . قلنا { قل أي شيء } سؤال ولا بد له من جواب . وهو إما مذكور رأي قل الله أكبر الأشياء شهادة ثم ابتدئ فقيل شهيد أي وهو شهيد بيني وبينكم ، أو محذوف والمعنى قل هو الله والله شهيد بيني وبينكم . وحسن الحذف لأنه إذا سأل عن أكبر الأشياء شهادة وذكر بعد ذلك أن الله شهيد علم جزماً أن أكبر الأشياء شهادة هو الله أما قوله { ومن بلغ } فمعطوف على ضمير المخاطبين والعائد إلى من محذوف أي لأنذركم يا أهل مكة وأنذر كل من بلغه القرآن من العرب والعجم . وقيل : من الثقلين . وقيل : من بلغه إلى يوم القيامة . وعن سعيد بن جبير من بلغه القرآن فكأنما رأى محمداً صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ومن بلغ أي من احتلم وبلغ أوان التكليف ، وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار العائد .

ثم استفهم مبكتاً فقال { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } وصف الجمع بصفة الواحدة كما يقال : الرجال فعلت . ثم دل على إيجاب التوحيد بثلاث جمل : أولاها { قل لا أشهد } أي بما تذكرونه من إثبات الشركاء ، وثانيتها { قل إنما هو إله واحد } وكلمة «إنما » تفيد الحصر . وثالثتها { وإنني بريء مما تشركون } ومن هنا قالت العلماء : المستحب لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشهادتين ويضم إليهما التبري عن كل دين سوى دين الإسلام .

/خ24