إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ ٱللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ} (19)

{ قُلْ أَيّ شيء أَكْبَرُ شهادة } روي ( أن قريشاً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد لقد سألنا عنك اليهودَ والنصارى فزعموا أنْ ليس عندهم ذكرٌ ولا صفةٌ فأرِنا من يشهد لك أنك رسولُ الله فنزلت ) . ( فأيّ ) مبتدأ و( أكبرُ ) خبره و( شهادة ) نُصب على التمييز وقوله تعالى : { قُلِ الله } أمرٌ له عليه الصلاة والسلام بأن يتولَّى الجواب بنفسه ، إما للإيذان بتعيُّنه وعدمِ قدرتهم على أن يجيبوا بغيره ، أو لأنهم ربما يتلعثمون فيه لا لتردُّدهم في أنه أكبرُ من كل شيء ، بل في كونه شهيداً في هذا الشأن ، وقوله تعالى : { شَهِيدٌ } خبرُ مبتدأ محذوف ، أي هو شهيد { بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } ويجوز أن يكون ( الله شهيد بيني وبينكم ) هو الجواب ، لأنه إذا كان هو الشهيدَ بينه وبينهم كان أكبرُ شيءٍ شهادةً شهيداً له عليه الصلاة والسلام ، وتكريرُ ( البين ) لتحقيق المقابلة { وَأُوحِي إِلَيّ } أي من جهته تعالى { هذا القرآن } الشاهدُ بصِحة رسالتي { لأُنذِرَكُمْ بِهِ } بما فيه من الوعيد ، والاقتصارُ على ذكر الأنذار لما أن الكلام مع الكفرة { وَمَن بَلَغَ } عطفٌ على ضمير المخاطَبين أي لأنذركم به يا أهلَ مكةَ وسائرَ مَنْ بلغه من الأسودِ والأحمرِ أو من الثقلَيْن ، أو لأنذركم به أيها الموجودون ومَنْ سيوجد إلى يوم القيامة ، وهو دليل على أن أحكام القرآن تعمُّ الموجودين يوم نزولِه ومن سيوجد بَعْدُ إلى يوم القيامة ، خلا أن ذلك بطريق العبارة في الكل عند الحنابلة ، وبالإجماع عندنا في غير الموجودين وفي غير المكلفين يومئذ كما مر في أول سورة النساء { أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى } تقرير لهم مع إنكار واستبعاد { قُل لا أَشْهَدُ } بذلك وإن شهدتم به فإنه باطل صِرْف { قُلْ } تكرير للأمر للتأكيد { إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ } أي بل إنما أشهد أنه تعالى لا إله إلا هو { وَإِنَّنِى بَريء ممَّا تُشْرِكُونَ } من الأصنام أو من إشراككم .