قوله تعالى : { وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق } ، قيل : الباء بمعنى اللام ، أي : إظهاراً للحق ، لأنه جعل صنعه دليلاً على وحدانيته .
قوله تعالى : { ويوم يقول كن فيكون } ، قيل هو راجع إلى خلق السموات والأرض ، والخلق بمعنى : القضاء والتقدير ، أي : كل شيء قضاه وقدره قال له : { كن فيكون } . وقيل : يرجع إلى القيامة ، يدل على سرعة أمر البعث والساعة ، كأنه قال : ويوم يقول للخلق : موتوا فيموتون ، وقوموا فيقومون .
قوله تعالى : { قوله الحق } ، أي : الصدق الواقع لا محالة ، يريد أن ما وعده حق كائن . قوله تعالى : { وله الملك يوم ينفخ في الصور } ، يعني : ملك الملوك يومئذ زائل ، كقوله : { مالك يوم الدين } ، وكما قال : { والأمر يومئذ لله } ، والأمر لله في كل وقت ، ولكن لا أمر في ذلك اليوم لأحد مع أمر الله ، والصور : قرن ينفخ فيه ، قال مجاهد : كهيئة البوق ، وقيل : هو بلغة أهل اليمن ، وقال أبو عبيدة : الصور هو الصور ، وهو جمع الصورة ، وهو قول الحسن ، والأول أصح . والدليل عليه ما أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر المحاربي ، أنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا أبو عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن سليمان التيمي ، عن أسلم ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما الصور ؟ قال : قرن ينفخ فيه .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا عبد الله بن محمد بن عبد الله الصفار ، أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي ، أنا أبو حذيفة ، أنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عطية بن سعد العوفي . عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف أنعم وصاحب الصور قد التقمه ، وأصغى سمعه ، وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر ؟ فقالوا : يا رسول الله ، وما تأمرنا ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) .
وقال أبو العلاء ، عن عطية ، متى يؤمر بالنفخ فينفخ ؟
قوله تعالى : { عالم الغيب والشهادة } ، يعني يعلم ما غاب عن العباد وما يشاهدونه ، لا يغيب عن علمه شيء .
وقوله تعالى : { وهو الذي خلق } الآية ، { خلق } ابتدع وأخرج من العدم إلى الوجود ، و { بالحق } ، أي لم يخلقها باطلاً بغير معنى بل لمعان مفيدة ولحقائق بينة منها ما يحسه البشر من الاستدلال بها على الصانع ونزول الأرزاق وغير ذلك ، وقيل المعنى بأن حق له أن يفعل ذلك ، وقيل { بالحق } معناه بكلامه في قوله للمخلوقات { كن } وفي قوله : { ائتيا طوعاً أوكرهاً }{[4975]} .
قال القاضي أبو محمد : وتحرير القول أن المخلوقات إنما إيجادها بالقدرة لا بالكلام ، واقتران «كن » بحالة إيجاد المخلوق فائدته إظهار العزة والعظمة ونفوذ الأوامر وإعلان القصد ، ومثال ذلك في الشاهد أن يضرب إنسان شيئاً فيكسره ويقول في حال الكسر بلسانه : انكسر فإن ذلك إنفاذ عزم وإظهار قصد ، ولله المثل الأعلى ، لا تشبيه ولا حرف ولا صوت ولا تغير ، أمره واحد كلمح البصر فكأن معنى الآية على هذا القول وهو الذي خلق السماوات والأرض بقوله { كن } المقترنة بالقدرة التي بها يقع إيجاد المخلوق بعد عدمه فعبر عن ذلك { بالحق } ، { ويوم يقول } نصب على الظرف وهو معلق بمعمول فعل مضمر ، تقديره : واذكر الخلق والإعادة يوم ، وتحتمل الآية مع هذا أن يكون معناها : واذكر الإعادة يوم يقول الله للأجساد : كن معادة ، ثم يحتمل أن يتم الكلام هنا ثم يبدأ بإخبار أن يكون قوله الحق الذي كان في الدنيا إخباراً بالإعادة ، ويحتمل أن يكون تمام الكلام في قوله { فيكون } ويكون { قوله الحق } ابتداء وخبر أو على الاحتمال الذي قبل ف { قوله } فاعل ، قال الزجّاج قوله { يوم } معطوف على الضمير من قوله { واتقوه } فالتقدير هنا على هذا القول واتقوا العقاب أو الأهوال والشدائد يوم ، وقيل : إن الكلام معطوف على قوله { خلق السماوات } والتقدير على هذا : وهو الذي خلق السماوات والأرض والمعادات إلى الحشر يوم ، ولا يجوز أن تعمل هذه الأفعال لا تقديرك : اذكر ، ولا اتقوا ، ولا خلق في يوم ، لأن أسماء الزمان إذا بنيت مع الأفعال فلا يجوز أن تنصب إلا على الظرف ، ولا يجوز أن يتعلق { يوم } بقوله : { قوله الحق } لأن المصدر لا يعمل فيما تقدمه ، وقد أطلق قوم أن العامل اذكر أو خلق ، ويحتمل أن يريد ب «يقول » معنى المضي كأنه قال : وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق يوم يقول بمعنى قال لها «كن » ، ف { يوم } ظرف معطوف على موضع { قوله الحق } إذ هو في موضع نصب ، ويجيء تمام الكلام في قوله { فيكون } ، ويجيء { قوله الحق } ابتداء وخبراً ويحتمل أن يتم الكلام في { كن } ، ويبتدأ { فيكون قوله الحق } وتكون «يكون » تامة بمعنى يظهر ، و { الحق } صفة للقول و { قوله } فاعل ، وقرأ الحسن «قُوله » بضم القاف ، { وله الملك } ابتداء وخبر { يوم ينفخ في الصور } «يوم » بدل من الأولى على أن «يقول » مستقبل ، لا على تقدير مضيه . وقيل : بل متعلق بما تضمن [ الُملك ] من معنى الفعل او بتقدير«ثابت أو مستقر يوم » ، و { في الصور } قال أبو عبيدة :هو جمع صورة فالمعنى يوم تعاد العوالم ، وقال الجمهور هو الصور القرن الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ينفخ فيه للصعق ثم للبعث ){[4976]} ورجحه الطبري بقول النبي عليه السلام :«إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ينظر متى يؤمر فينفخ »{[4977]} ، وقرأ الحسن «في الصوَر » بفتح الواو ، وهذه تؤيد التأويل الأول ، وحكاها عمرو بن عبيد عن عياض { عالم } رفع بإضمار مبتدأ ، وقيل نعت ل { الذي } وقرأ الحسن والأعمش «عالمٍ » بالخفض على النعت للضمير الذي في { له } ، أو على البدل منه من قوله { له الملك } ، وقد رويت عن عاصم ، وقيل ارتفع «عالم » بفعل مضمر من لفظ الفعل المبني للمفعول تقديره :«ينفخ فيه عالم »على ما أنشد سيبويه : [ الطويل ]
لِيَبْكِ يزيدَ ضارعٌ لخصومةٍ . . . وآخرُ مِمّنْ طَوّحَتْهُ الطَّوائِحُ{[4978]}
التقدير يبكيه ضارع ، وحكى الطبري هذا التأويل الذي يشبه ليبك يزيد عن ابن عباس ونظيرها من القرآن قراءة من قرأ { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم }{[4979]} بضم الزاي ورفع الشركاء وروي عن عبد الوارث عن أبي عمرو «يوم ننفخ في الصور » بنون العظمة ، و { الغيب والشهادة } معناه ما غاب عنا وما حضر ، وهذا يعم جميع الموجودات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.