معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

قوله تعالى : { ولا ينفعكم نصحي } ، أي نصيحتي ، { إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } ، يضلكم ، { هو ربكم } ، له الحكم والأمر { وإليه ترجعون } ، فيجزيكم بأعمالكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

{ ولا ينفعكم نُصحي إن أردت أن أنصح لكم } شرط ودليل وجواب والجملة دليل جواب قوله : { إن كان الله يريد أن يغويكم } وتقدير الكلام أن كان الله يريد أن يغويكم ، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، ولذلك تقول لو قال الرجل أنت طالق إن دخلت الدار إن كلمت زيدا فدخلت ثم كلمت لم تطلق ، وهو جواب لما أوهموا من أن جداله كلام بلا طائل . وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء وأن خلاف مراده محال . وقيل { أن يغويكم } أن يهلككم من غوى الفصيل غوى إذا بشم فهلك . { هو ربكم } هو خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته . { واليه تُرجعون } فيجازيكم على أعمالكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

وليس نصحي بنافع ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك . والشرط الثاني اعتراض بين الكلام ، وفيه بلاغة في اقتران الإرادتين . وأن إرادة البشر غير مغنية ، وتعلق هذا الشرط هو ب { نصحي } ، وتعلق الآخر هو ب «لا ينفع » . والنصح هو سد ثلم الرأي للمنصوح وترقيعه ، وهو مأخوذ من نصح الثوب إذا خاطه ، والمنصح الإبرة ، والمخيط يقال له منصح ونصاح{[1]} : وقالت فرقة معنى قوله { يغويكم } : يضلكم ، من قولهم غوى الرجل يغوى ، ومنه قول الشاعر [ المرقش ] : [ الطويل ]

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره*** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما{[2]}

وإذا كان هذا معنى اللفظة ، ففي الآية حجة على المعتزلة القائلين إن الضلال إنما هو من العبد . وقالت فرقة معنى قوله : { يغويكم } : يهلككم ، والغوى المرض والهلاك ؛ وفي لغة طيِّىء : أصبح فلان غاوياً ، أي مريضاً ، والغوى بشم الفصيل ، قاله يعقوب في الإصلاح . وقيل : فقده اللبن حتى يموت جوعاً ، قاله الفراء وحكاه الطبري . يقال غوى يغوى{[3]} ، وحكى الزهراوي أنه الذي قطع عنه اللبن حتى كاد يهلك ولما يهلك بعد ، فإذا كان هذا معنى اللفظة زال موضع النظر بين أهل السنة والمعتزلة ، وبقي الاحتجاج عليهم بما هو أبين من هذه الآية كقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام }{[4]} ونحوها .

قال القاضي أبو محمد : ولكني أعتقد أن للمعتزلة تعلقاً وحجة بالغة بهذا التأويل ، فرد عليه وأفرط حتى أنكر أن يكون الغوى بمعنى الهلاك موجوداً في لسان العرب .

وقوله : { هو ربكم } ، تنبيه على المعرفة بالخالق . وقوله : { وإليه ترجعون } إخبار في ضمنه وعيد وتخويف .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.