تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

وقوله تعالى : ( وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) تأويله ، والله أعلم ، لا ينفعكم دعائي إلى ما به نجاتكم ( إن كان الله يريد أن يغويكم ) أي لا ينفعكم نصحي لكم إن كان الله [ يريد ][ ساقطة من الأصل وم ] أن يعذبكم في نار جهنم . ويكون[ في الأصل وم : ويقول ] الغي العذاب كقوله : ( فسوف يلقون غيا )[ مريم : 59 ] أي عذاب جهنم ونحوه من الكلام .

وأما عندنا فهو ما أخبر : إن كان الله يريد إغواء قوم أبدا فهم في الغواية . وأصله أن الله [ إن ][ ساقطة من الأصل وم ] أراد غواية من في علمه أنه يختار الغواية والضلال اختار عداوته . ولا يجوز أن يريد هو هداية من يعلم أنه يختار عداوته لأن ذلك يكون من الضعف أن يختار المرء ولاية من يختار عداوته . فدل أنه لم يرد الهداية لمن علم منه اختيار الغواية والضلال .

ثم إضافة الإغواء والإزاغة والإضلال إلى الله تخرج على وجهين :

أحدهما : أنه ينشئ ذلك الفعل منهم غيا وزيغا وضلالا لأن فعلهم فعل غواية وزيغ .

والثاني : أنه خذلهم ، ولم يوفقهم ، ولم يرشدهم ، ولم يعصهم ، ولا سددهم . فمن ذلك الوجه ليس فعله فعل الذم عليه حتى يتحرج بالإضافة إلى الخلق ، ومن الإضافة إلى الخلق يكون على الذم لأن فعلهم نفسه فعل الغواية والضلال ، فاستوجبوا الذم على ذلك .

والإغواء من الخلق هو الدعاء إلى ذلك أو الأمر به ، فهو مذموم ، يذمون على ذلك ، وليس على [ الله ][ ساقطة من الأصل وم ] ذلك ، وليس من الله من هذا الوجه . ولكن على الذين ذكرناهما .

وفي قوله : ( وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) دلالة تعليق الشرط على الشرط .