فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

{ وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي } الذي أبذله لكم ، وأستكثر منه قياماً مني بحق النصيحة لله بإبلاغ رسالته ، ولكم بإيضاح الحق وبيان بطلان ما أنتم عليه { إِنْ أَرَدْت أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } وجواب هذا الشرط محذوف ، والتقدير : إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي ، كما يدل عليه ما قبله : { إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } أي : إن كان الله يريد إغواءكم ، فلا ينفعكم النصح مني ، فكان جواب هذا الشرط محذوفاً كالأوّل ، وتقديره ما ذكرنا ، وهذا التقدير إنما هو على مذهب من يمنع من تقدّم الجزاء على الشرط ، وأما على مذهب من يجيزه ، فجزاء الشرط الأوّل ، ولا ينفعكم نصحي ، وجزاء الشرط الثاني الجملة الشرطية الأولى وجزاؤها . قال ابن جرير : معنى يغويكم يهلككم بعذابه ، وظاهر لغة العرب أن الإغواء : الإضلال ؛ فمعنى الآية : لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يضلكم عن سبيل الرشاد ، ويخذلكم عن طريق الحق . وحكي عن طيّ : أصبح فلان غاوياً : أي مريضاً ، وليس هذا المعنى هو المراد في الآية . وقد ورد الإغواء بمعنى الإهلاك ، ومنه : { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } وهو غير ما في هذه الآية { هُوَ رَبُّكُمْ } فإليه الإغواء وإليه الهداية { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ .

/خ34