الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (34)

قوله : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم } إلى قوله { يفعلون }[ 34-36 ] والمعنى : وليس ينفعكم تحذيري إياكم{[32253]} عقوبة على كفركم{[32254]} . { إن كان الله يريد أن يغويكم }[ 34 ] أي : يهلككم{[32255]} .

وقيل : معناه : يحييكم ، وحكي عن بعض العرب أنها تقول : أصبحا فلان غاويا : أي : مريضا{[32256]} .

وهذه الآية من أَبْيَنِ آية في أن الأمر كله لله عز وجل ، يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، لا معقب لحكمه يفعل ما يشاء .

وقد قالت المعتزلة : إن معنى : ( أن يغويكم : أن يهلككم ، وكذبوا على الله ، سبحانه ، وعلى لغة العرب : ولو كان الأمر كما قالوا ، لكان معنى قوله : { قد تبين الرشد من الغي }{[32257]} : من الهلاك ، وهذا لا معنى له . إنما هو الضلال ، الذي نقيض الرشد . ولكان معنى قوله : { وعصى آدم ربه فغوى }{[32258]} : فهلك ، ولم يهلك إنما ضل . ولكان معنى قوله : { الذين أغوينا أغويناهم }{[32259]} بمعنى الهلاك ، ولا معنى لذلك ، إنما هو بمعنى الضلال كله . ولكان قوله : { لأغونيهم }{[32260]} بمعنى : لأهلكنهم : وهذا لا يقوله أحد ، ولا معنى له{[32261]} .

وقوله تعالى : فسوف يلقون غيا }{[32262]} معناه : هلاكا{[32263]} .

{ هو ربكم وإليه ترجعون } : أي : بعد الهلاك{[32264]} .


[32253]:ط: مطموس من (إياكم) إلى: (الله).
[32254]:انظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/305.
[32255]:انظر هذا التفسير في: معاني الزجاج 3/49، والجامع 9/21.
[32256]:وهي لغة قبيلة (طيء) انظر: جامع البيان 15/305، والمحرر 9/139، والجامع 9/21. وانظر: اللسان: غوي.
[32257]:البقرة: 255.
[32258]:طه: 118.
[32259]:القصص: 63.
[32260]:الحجر: 39.
[32261]:وقد أنكر ابن عطية في المحرر 9/140 على المؤلف هذا الرد على المعتزلة دن أن يسميه قال: (ولكي أعتقد أن للمعتزلة تعلقا، وحجة بالغة بهذا التأويل، فرد عليه وأفرط حتى أنكر أن يكون الغوى بمعنى الهلاك موجودا في لسان العرب.
[32262]:مريم: 59.
[32263]:ق: هلكا. وانظر هذا المعنى في: جامع البيان 15/305.
[32264]:انظر التعليق السابق.