{ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب* ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه } ، أي : على محمد صلى الله عليه وسلم { آية من ربه } ، أي : علامة وحجة على نبوته ، قال الله تعالى : { إنما أنت منذر } ، مخوف ، { ولكل قوم هاد } ، أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى . وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة . وقال عكرمة : الهادي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم ، أي : داع . وقال سعيد بن جبير : الهادي هو الله تعالى .
يقول تعالى إخبارًا عن المشركين أنهم يقولون كفرا وعنادا : لولا يأتينا بآية من ربه كما أرسل الأولون ، كما تعتنوا عليه أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل{[15453]} عنهم الجبال ، ويجعل مكانها مروجا وأنهارا ، قال الله تعالى : { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا } [ الإسراء : 59 ] .
قال الله تعالى : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ } أي : إنما عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها ، { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة : 272 ] .
وقوله : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، أي : ولكل قوم داع .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في تفسيرهما : يقول الله تعالى : أنت يا محمد منذر ، وأنا هادي كل قوم ، وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك .
وعن مجاهد : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : نبي . كما قال : { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] وبه قال قتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .
وقال أبو صالح ، ويحيى بن رافع : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي : قائد .
وقال أبو العالية : الهادي : القائد ، والقائد : الإمام ، والإمام : العمل .
وعن عِكْرِمة ، وأبي الضحى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قالا هو محمد [ رسول الله ]{[15454]} صلى الله عليه وسلم .
وقال مالك : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } من يدعوهم إلى الله ، عز وجل .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن يحيى الصوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري ، حدثنا معاذ بن مسلم بياع الهروي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : { إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال : وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره ، وقال : " أنا المنذر ، ولكل قوم هاد " . وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : " أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي " .
وهذا الحديث فيه نكارة شديدة{[15455]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } قال : الهادي : رجل من بني هاشم : قال الجنيد{[15456]} هو علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عباس ، في إحدى الروايات ، وعن أبي جعفر محمد بن علي ، نحو ذلك .
عطف على جملة { ويستعجلونك بالسيئة } الآية . وهذه حالة من أعجوباتهم وهي عدم اعتدادهم بالآيات التي تأيّد بها محمّد صلى الله عليه وسلم وأعظمها آيات القرآن ، فلا يزالون يسألون آية كما يقترحونها ، فله اتصال بجملة { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } [ هود : 17 ] .
ومرادهم بالآية في هذا خارق عادة على حساب ما يقترحون ، فهي مخالفة لما تقدم في قوله : { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة } لأن تلك في تعجيل ما توعدهم به ، وما هنا في مجيء آية تؤيده كقولهم : { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 8 ] .
ولكون اقتراحهم آية يُشفّ عن إحالتهم حصولها لجهلهم بعظيم قدرة الله تعالى سيق هذا في عداد نتائج عظيم القدرة ، كما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ الأنعام : 36 ] فبذلك انتظم تفرع الجمل بعضها على بعض وتفرع جميعها على الغرض الأصلي .
والذين كفروا هم عين أصحاب ضمير { يستعجلونك } ، وإنما عدل عن ضميرهم إلى اسم الموصول لزيادة تسجيل الكفر عليهم ، ولما يومىءُ إليه الموصول من تعليل صدور قولهم ذلك .
وصيغة المضارع تدل على تجدد ذلك وتكرره .
و { لولا } حرف تحضيض . يموهون بالتحضيض أنهم حريصون وراغبون في نزول آية غير القرآن ليؤمنوا ، وهم كاذبون في ذلك إذ لو أوتوا آية كما يقترحون لكفروا بها ، كما قال تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } [ الإسراء : 59 ] .
وقد رد الله اقتراحهم من أصله بقوله : { إنما أنت منذر } ، فقصر النبي صلى الله عليه وسلم على صفة الإنذار وهو قصر إضافي ، أي أنت منذر لا مُوجد خوارق عادٍ . وبهذا يظهر وجه قصره على الإنذار دون البشارة لأنه قصر إضافي بالنسبة لأحواله نحو المشركين .
وجملة { ولكل قوم هاد } تذييل بالأعم ، أي إنما أنت منذر لهؤلاء لهدايتهم ، ولكل قوم هاد أرسله الله ينذرهم لعلهم يهتدون ، فما كنت بِدعاً من الرسل وما كان للرسل من قبلك آيات على مقترح أقوامهم بل كانت آياتهم بحسب ما أراد الله أن يظهر على أيديهم . على أن معجزات الرسل تأتي على حسب ما يلائم حال المرسل إليهم .
ولما كان الذين ظهرت بينهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عرباً أهل فصاحة وبلاغة جعل الله معجزته العظمى القرآن بلسان عربي مبين . وإلى هذا المعنى يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيتُ وحَيْا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " .
وبهذا العموم الحاصل بالتذييل والشامل للرسول عليه الصلاة والسلام صار المعنى إنما أنت منذر لقومك هادٍ إياهم إلى الحق ، فإن الإنذار والهدي متلازمان فما من إنذار إلاّ وهو هداية وما من هداية إلا وفيها إنذار ، والهداية أعمّ من الإنذار ففي هذا احتباك بديع .
وقرأ الجمهور { هادٍ } بدون ياء في آخره في حالتي الوصل والوقف . أما في الوصل فلالتقاء الساكنين سكون الياء وسكون التنوين الذي يجب النطق به في حالة الوصل ، وأما في حالة الوقف فتبعا لحالة الوصل ، وهو لغة فصيحة وفيه متابعة رسم المصحف .
وقرأه ابن كثير في الوصل مثل الجمهور . وقرأه بإثبات الياء في الوقف لزوال مُوجب حذف الياء وهو لغة صحيحة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.