تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} (7)

{ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد7 } .

المفردات :

الذين كفروا : المراد بهم هنا : كفار أهل مكة .

لولا أنزل : لولا بمعنى : هلاّ ، فكلتاهما للحض والحث على فعل الشيء .

آية من ربه : الآية : العلامة ، والمراد بها هنا : ما طلبوه من الخوارق مثل : تفجير الينابيع والأنهار ، والرقى في السماء .

التفسير :

7 { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه . . . } .

وهذا لون آخر من تعنت المشركين من أهل مكة ، فقد أنزل الله القرآن الكريم ، معجزة خالدة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وآية باقية ، لكن كفار مكة اقترحوا على الرسول : أن ينزل عليهم آية مثل آيات الرسل السابقين ، أي : كعصا موسى ، أو ناقة صالح ، أو إحياء الموتى على يد عيسى .

أي : هلا أنزل على محمد معجزة مادية ملموسة تدل على صدقه ، مثل : تفجير ينابيع الأرض ، وزحزحة الجبال من حول مكة ، ثم ينبت مكانها الأعناب وصنوف النباتات ، وقد حكى القرآن الكريم عنهم مثل هذه الاقتراحات في سورة الفرقان في الآيات 711 ، وكذلك في سورة الإسراء ، حيث يقول سبحانه : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا* أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا* أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا* أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا }( الإسراء : 90 93 ) .

{ إنما أنت منذر ولكل قوم هاد } .

أي : إن وظيفتك قاصرة على إبلاغ الرسالة ، وتبشير المؤمنين بالجنة ، وإنذار المشركين بالعذاب ، وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم ؛ لإفهام المشركين : أن وظيفة الرسل قاصرة على تبليغ الرسالة والدعوة إلى الإيمان ، وإنذار المكذبين ، والرسول بعد ذلك بشر يوحى إليه ، فليس إلها ، ولا يملك الاستجابة لمطالبهم وتحقيق رغباتهم المتعنتة ، قال تعالى : { ومنعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }( الإسراء : 59 ) ؛ فهؤلاء كفار مكة إذا جاءتهم معجزة مادية ، سيصرون على كفرهم وبذلك يستحقون نزول العذاب بهم ؛ عقوبة على كفرهم وعنادهم ، وقد شاء الله أن يكون الإسلام آخر الرسالات ، وأن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ، وأن تكون معجزته عقلية خالدة باقية ، وألا يهلك قومه في حياته ، قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم* وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون }( الأنفال : 33 ، 32 ) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه ، فكان الوحي يرشده إلى الصبر والاحتمال ، وبيان أن هذه سنة الله في خلقه ، قال تعالى : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } . ( البقرة : 272 ) . { إن عليك إلا البلاغ } . ( الشورى : 48 ) ، { فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمصيطر } ( الغاشية : 22 ، 21 ) .

{ ولكل قوم هاد } .

أي : نبي يدعوهم إلى الهدى والرشاد ، ويحتمل أن يكون المعنى : أن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وهو يعطي كل رسول ما يناسبه من الآيات والمعجزات وقد شاء سبحانه أن يؤيد محمدا بمعجزة خالدة باقية داعية إلى الهداية .

أي : لكل قوم من أقوام الرسل معجزة داعية إلى الهدى لمن اهتدى بها ، وقد أعطى الله محمدا القرآن أبلغ داعية إلى الهدىvi ، قال تعالى : { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم }( العنكبوت : 51 ) .