فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} (7)

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ( 7 ) }

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } من أهل مكة { لَوْلآ } هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ } أي على محمد صلى الله عليه وآله وسلم { آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } غير ما قد جاء به من الآيات كالعصا واليد والناقة ، وهؤلاء القائلون هم المستعجلون للعذاب وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصول ذما لهم بكفرهم بآيات الله التي تخر لها الجبال حيث لم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من جنس الآيات ، وهذا مكابرة من الكفار وعناد وإلا فقد أنزل الله على رسوله من الآيات ما يغني البعض منه .

قال الزجاج : طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فقال الله تعالى { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ } تنذرهم بالنار وليس إليك من الآيات من شيء وفيه إزالة لرغبته صلى الله عليه وآله وسلم في حصول مقترحهم ، فإنه كان شديد الرغبة في إيجاب مقترحاتهم لشدة التفاته إلى إيمانهم ، قاله الخطيب .

وجاء في إنما أنت بصيغة الحصر لبيان أنه صلى الله عليه وآله وسلم مرسل لإنذار العباد وبيان ما يحذرون عاقبته وليس عليه غير ذلك ، وقد فعل ما هو عليه وأنذر أبلغ إنذار ، ولم يدع شيئا مما يحصل به ذلك إلا أتى به وأوضحه وكرره فجزاه الله عن أمته خيرا .

{ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أي نبي يدعوهم إلى ما فيه هدايتهم ، ورشادهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون وإن لم تقع الهداية لهم بالفعل ولم يقبلوها ، وآيات الرسل مختلفة ، هذا يأتي بآياته أو آيات لم يأت بها الآخر بحسب ما يعطيه الله منها ، ومن طلب من بعضهم ما جاء به البعض الآخر فقد بلغ في التعنت إلى مكان عظيم فليس المراد من الآيات إلا الدلالة على النبوة لكونها معجزة خارجة عن القدرة البشرية ، وذلك لا يختص بفرد منها ولا بأفراد معينة .

قال الرازي : فهذا هو الوجه الذي قرره القاضي ، وهو الوجه الصحيح الذي يبقى الكلام معه منتظما . انتهى .

وقيل إن المعنى ولكل قوم هاد هو الله سبحانه عز وجل فإنه القادر على ذلك وليس على أنبيائه إلا مجرد الإنذار . قال ابن عباس : هاد أي داع ، وقال مجاهد : المنذر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكل قوم هاد نبي يدعوهم إلى الله ، وعن سعيد بن جبير ومجاهد وابن عباس نحوه ، وعنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المنذر وهو الهادي . أخرجه ابن مردويه ، وعن عكرمة وأبي الضحى نحوه .

وقيل الهادي هو العمل الصالح ، وقيل الهادي هو القائد إلى الخير لا إلى الشر وهو يعم الرسل وأتباعهم إلى آخر الدهر .

وعن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره فقال : أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب علي فقال ( أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي {[989]} ) ، أخرجه ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة ، والديلمي وابن عساكر وابن النجار ، قال ابن كثير في تفسيره ، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة .


[989]:ابن كثير / 502.