محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَةٞ مِّن رَّبِّهِۦٓۗ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ} (7)

/ [ 7 ] { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد 7 } .

{ ويقول الذين كفروا } وهم المستعجلون بالسيئة المتقدمون .

قال أبو السعود : وإنما عدل عن الإضمار إلى الموصول ، ذمّا لهم ونعيا عليهم كفرهم بآيات الله تعالى التي تخرّ لهم صم الجبال ، حيث لم يرفعوا لها رأسا ولم يعدّوها من جنس الآيات وقالوا عنادا :

{ لولا أنزل عليه آية من ربه } أي : مثل آيات موسى وعيسى عليهما السلام ، أو مثل ما يقترحون من جعل الصفا ذهبا ، أو إزاحة الجبال وجعل مكانها مروجا وأنهارا { إنما أنت منذر } أي : مرسل للإنذار والتخويف من سوء عاقبة ما يأتون ويذرون ، وناصح كغيرك من الرسل . فما عليك إلا البلاغ ، لا إجابة المقترحات ! { ولكل قوم هاد } أي : نبي داع إلى الحق مرشد بالآية التي تناسب زمنه كقوله تعالى{[5053]} : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } تعريض بأنه عليه الصلاة والسلام ليس بدعا من الرسل . فقد خلا قبله الهداة الداعون إلى الله ، عليهم السلام ؛ أو المعنى : لكل قوم هاد عظيم الشأن ، قادر على هدايتهم ، هو الله سبحانه ، فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم . وإيتاؤهم الإيمان وصدهم عن الجحود . فإن ذلك لله وحده كقوله تعالى{[5054]} : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } ؛ أو المعنى : { لكل قوم هاد } قائد يهديهم إلى الرشد . وهو الكتاب المنزل عليهم الداعي بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم . يعني : أن سر الإرسال وآيته الفريدة إنما هو الدعاء إلى الهدى وتبصير سبله ، والإنذار من الاسترسال في مساقط الردى وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه . فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى . وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله وقد / لا يفيد إنزالها هداية ! قال تعالى{[5055]} : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } { وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } {[5056]} مع ما يستتبع الإصرار بعدها من الأخذ بلا إمهال ! { سنة الله في الذين خلوا من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلا } {[5057]} .

قال الشهاب : وجوز عطف { هاد } على { منذر } وجعل المتعلق مقدما عليه ، للفاصلة فيدل على عموم رسالته وشمول دعوته . وقد يجعل خبر مبتدأ مقدر ، أي : وهو هاد ، أو وأنت هاد ، وعلى الأول فيه التفات .


[5053]:[35 / فاطر / 24].
[5054]:[2 / البقرة / 272].
[5055]:[17 / الإسراء / 59].
[5056]:[6 / الأنعام / 109].
[5057]:[33 / الأحزاب / 62].